مدير الضرائب يكشف أرقاما صادمة: 60 مليار درهم تضيع سنويًا بسبب الفواتير الوهمية

يمثل الاقتصاد غير المهيكل أحد أكبر التحديات التي تواجه الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، إلا أن خطورته تتفاقم في الاقتصادات التي تعتمد على الضرائب كأحد المصادر الرئيسية لتمويل ميزانياتها.
ففي المغرب، تزداد هذه الظاهرة تعقيدًا مع تداخلها في نسيج الاقتصاد الرسمي، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على الباعة الجائلين والمحلات الصغيرة، بل باتت شركات كبيرة، تمتلك سجلات تجارية وأرقام تعريف ضريبية، تتهرب من التزاماتها الضريبية بطرق غير قانونية، ما يشكل نزيفًا مستمرًا للمالية العامة.
خلال ندوة صحفية بالدار البيضاء، أجريت مؤخرا، كشف إدريسي قيطوني، المدير العام للضرائب، عن أرقام صادمة بخصوص الفواتير الوهمية التي تصدرها شركات يفترض أنها قانونية، والتي تتراوح قيمتها بين 50 و60 مليار درهم سنويًا.
هذه الأرقام تعكس مدى تغلغل الاقتصاد غير المهيكل في التعاملات الرسمية، حيث تستفيد منه الشركات بشكل مباشر، ما يجعل من مكافحته مسؤولية مشتركة بين القطاع الخاص والسلطات العمومية.
لكن التحدي لا يكمن فقط في التصدي للتهرب الضريبي، بل في تحديث النسيج الاقتصادي ككل، حسب ذات المتحدث، فالاقتصاد غير المهيكل يعوق النمو، ويقوض المنافسة العادلة، ويؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
مضيفا: "هنا تبرز الحاجة إلى تعزيز المسؤولية المدنية لدى الفاعلين الاقتصاديين، عبر اعتماد ممارسات أكثر شفافية، مثل مطالبة الموردين بشهادة الانتظام الضريبي، وهي خطوة أساسية لضمان انخراط جميع الأطراف في المنظومة الضريبية".
وأكد ذات المتحدث، أن المديرية العامة للضرائب، قامت بتعطيل 300 ألف شركة غير نشطة بموجب قانون المالية لسنة 2023، ورفض جميع الفواتير الصادرة عنها، في خطوة تهدف إلى تقليص الثغرات التي يستغلها المتهربون.
ورغم ذلك، وفقا للقيطوني، لا تملك إدارة الضرائب سلطة الإغلاق الفوري للمحلات التجارية المخالفة، بل تعتمد على إجراءات قانونية تبدأ بإرسال إشعارات تذكيرية، ثم تتدرج في العقوبات وفق ما ينص عليه القانون.
من الناحية العملية، أوضح ذات المتحدث، أن المديرية استراتيجيات طورت جديدة للحد من التهرب الضريبي، من أبرزها الاقتطاع من المصدر، وهو ما قلل من فرص التلاعب بالتصاريح الضريبية، وساهم في تحقيق نمو استثنائي بنسبة 22% في ضريبة القيمة المضافة (TVA) خلال سنة 2024، بزيادة بلغت 10 مليارات درهم في عام واحد فقط.
هذه الأرقام تعكس نجاعة بعض الإصلاحات، لكنها تطرح أيضًا تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على توسيع نطاق هذه الإجراءات لتشمل كل الفاعلين الاقتصاديين.
كما أوضح أن التدقيق الضريبي ليس عملية انتقائية تستهدف شركات أو شخصيات بعينها، بل هو إجراء سنوي مبني على نظام تسجيل إلكتروني متطور يسمح بتحديد المخاطر المالية التي قد تواجهها الشركات والمقاولات.
وأشار إلى أن هذا النظام ليس عشوائيًا، بل يعتمد على معايير واضحة تضمن الشفافية والعدالة الضريبية.
وتحدث القيطوني عن طريقة تصنيف الشركات الخاضعة للتدقيق، موضحًا أن الإدارة الضريبية قسمت المقاولات إلى ثلاث فئات رئيسية: 1000 مقاولة كبرى، وهي التي تخضع لنظام مراقبة خاص يراعي تعقيدات أنشطتها، المقاولات المتوسطة، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، والمقاولات الصغيرة، التي يتم التعامل معها وفق آليات تتناسب مع طبيعة أعمالها.
وشدد القيطوني على أن التدقيق الضريبي لا يستهدف قطاعًا معينًا أو جهة بعينها، مستشهدًا بالقطاع المصرفي وشركات التأمين، حيث قال: "لن تجد جميع الأبناك أو شركات التأمين تخضع للمراقبة في سنة واحدة، بل يتم اختيار بعض المؤسسات وفقًا للمعايير المحددة".
كما سعى القيطوني إلى تبديد الاعتقاد السائد بأن التدقيق الضريبي يهدف فقط إلى تحصيل الأموال، موضحًا أن جزءًا كبيرًا مما يتم جمعه عبر هذه العملية يعاد إلى المقاولات في شكل استرداد للضريبة على القيمة المضافة (TVA).
وقال في هذا السياق: "ما نأخذه بيد، نقوم بصرفه بيد أخرى"، في إشارة إلى أن النظام الضريبي ليس أداة لجمع الأموال فحسب، بل هو آلية لضمان التوازن المالي والعدالة الجبائية.
وختم القيطوني حديثه بالتأكيد على أن الإدارة الضريبية لا تعمل خارج إطار القانون، بل تسعى إلى فرض احترامه بشكل متوازن وعادل.
كما أشار إلى الجهود التي تبذلها المديرية العامة للضرائب لتسهيل المعاملات الجبائية، وتعزيز الثقة بين الإدارة والمقاولات، مما يعكس توجهًا نحو تطوير نظام جبائي أكثر شفافية وإنصافًا.
في نهاية المطاف، يتضح أن معالجة معضلة الاقتصاد غير المهيكل تتطلب مقاربة شاملة، تجمع بين الصرامة في المراقبة والتحفيز على الاندماج الطوعي في المنظومة الاقتصادية الرسمية.
فرغم الجهود التي تبذلها الدولة، يظل التحدي الأكبر هو تغيير العقليات، وتعزيز ثقافة الامتثال الضريبي، وهو ما لن يتحقق دون بناء جسور الثقة بين الإدارة والمقاولات، وإرساء نظام جبائي أكثر شفافية وإنصافًا.