عنف متصاعد في المدارس.. مطالب برلمانية بتعديلات صارمة على المذكرة التأديبية

تشهد المؤسسات التعليمية في المغرب تناميًا ملحوظًا في مظاهر العنف والانفلات السلوكي، مما يثير قلق الأوساط التربوية والمجتمعية ويهدد استقرار العملية التعليمية.
فرغم أن المدرسة تُعتبر فضاءً للتربية قبل التعليم، فإن الواقع الحالي يكشف عن تراجع واضح في قيم الاحترام والانضباط، حيث تتكرر الاعتداءات على الأطر التربوية، ويزداد العنف بين التلاميذ، مما يعكس أزمة أخلاقية تستوجب تدخلاً حازمًا من الجهات المسؤولة.
في هذا السياق، تدخل البرلمان على الخط، حيث وجهت النائبة البرلمانية عن حزب الحركة الشعبية، فدوى محسن الحياني، سؤالًا كتابيًا إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مطالبة بمراجعة الإطار التأديبي المعمول به داخل المؤسسات التعليمية.
وركزت الحياني في مداخلتها على المذكرة الوزارية رقم 14/867، التي تُعتبر الإطار المرجعي للعقوبات التأديبية، مشيرةً إلى أنها لم تعد كافية لضبط السلوك داخل المدارس، خصوصًا بعد مرور أكثر من عقد على تطبيقها دون تحقيق النتائج المرجوة.
التساؤلات المطروحة من طرف النائبة البرلمانية تتعلق بمدى استعداد الوزارة لتحديث هذه المذكرة وفق ما كشفت عنه الممارسة الفعلية من ثغرات، بالإضافة إلى الإجراءات المزمع اتخاذها لضمان بيئة تعليمية يسودها الاحترام والانضباط، وتمكين الأطر التربوية من أداء مهامهم في ظروف آمنة.
هذه المطالب تأتي في ظل تصاعد حوادث العنف المدرسي، التي لم تعد تقتصر على المشادات اللفظية، بل وصلت إلى حد الاعتداء الجسدي واستعمال الأسلحة البيضاء في بعض الحالات.
وقد أثارت هذه الظاهرة موجة من الاستياء في الأوساط التعليمية، حيث عبّر عدد من المدرسين عن إحباطهم من غياب إجراءات صارمة تحميهم من الاعتداءات المتكررة، مطالبين بتدخل عاجل يعيد للمدرسة هيبتها.
ومن جهة أخرى، أرجع بعض الخبراء تفشي العنف في المدارس إلى عوامل متعددة، أبرزها تراجع دور الأسرة في تربية الأبناء، وضعف الوازع القيمي لدى بعض التلاميذ، فضلًا عن غياب آليات تأديبية صارمة تردع المخالفين وتحافظ على الانضباط داخل الفصول الدراسية.
وفي السياق ذاته، وجهت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، نادية بزندفة، سؤالًا آخر إلى وزارة التربية الوطنية، أعربت فيه عن قلقها من محدودية العقوبات التأديبية الحالية، والتي تشمل إجراءات مثل تنظيف الساحة أو إنجاز بعض الأشغال داخل المدرسة.
وأكدت في معرض سؤالها أن هذه العقوبات لم تثبت فاعليتها في الحد من السلوكيات العنيفة، بل على العكس، يشعر بعض التلاميذ بإمكانية الإفلات من العقاب، مما يزيد من احتمال تكرار المخالفات.
ولذلك، دعت النائبة البرلمانية إلى ضرورة مراجعة هذا الإطار التنظيمي واستبداله بتدابير أكثر صرامة تحافظ على هيبة المؤسسة التعليمية وتحمي المدرسين من أي تهديد قد يعيق أداء واجبهم التربوي.
هذا النقاش البرلماني يعكس حجم القلق الذي يعيشه الفاعلون في المجال التربوي، ويطرح تساؤلات ملحّة حول مستقبل التعليم في المغرب في ظل تنامي هذه الظواهر.
فهل ستستجيب وزارة التربية الوطنية لهذه المطالب من خلال مراجعة القوانين التأديبية وتفعيل إجراءات أكثر صرامة؟ أم أن ظاهرة العنف المدرسي ستواصل انتشارها، مما يضع المنظومة التعليمية أمام تحدٍّ كبير يستوجب حلولًا جذرية تتجاوز العقوبات التقليدية إلى إصلاح أعمق يشمل المنظومة التربوية ككل؟
ويبقى الرهان اليوم على قدرة الجهات المعنية على إحداث تغيير حقيقي، من خلال إعادة النظر في الإطار التأديبي، وتعزيز دور المرشدين التربويين، وتكثيف البرامج التوعوية التي ترسّخ لدى التلاميذ قيم الاحترام والانضباط.
فالمؤسسة التعليمية ليست مجرد مكان لتلقين الدروس، بل هي فضاء لصناعة جيل مسؤول قادر على تحمل مسؤولياته المستقبلية، وإذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب، فإن العواقب قد تكون وخيمة على المجتمع بأسره.