هل تعوض المعارضة الرقمية غياب الصوت السياسي التقليدي في المغرب؟

الكاتب : انس شريد

23 مارس 2025 - 10:00
الخط :

يشهد المشهد السياسي في المغرب تحولات لافتة، مع تزايد حضور المعارضة الرقمية كبديل عن المعارضة المؤسساتية التقليدية.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة غير مسبوقة من الانتقادات، حيث تبنى عدد من المؤثرين نهج المعارضة الرقمية، مهاجمين بشدة فشل الحكومة في التصدي لظواهر تستنزف جيوب المواطنين، وعلى رأسها المضاربون في الأسعار و"الشناقة" الذين يلهبون الأسواق بلا حسيب ولا رقيب.

في هذا السياق، ناقش أكاديميون وخبراء خلال ندوة علمية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني في سلا، واقع وتأثير هذه الظاهرة، معتبرين أنها نتيجة مباشرة لضعف المعارضة السياسية التقليدية وعجزها عن تأطير الشارع.

ويعتبر العديد من الباحثين أن الفاعلين الرقميين من نشطاء ويوتيوبرز وحركات اجتماعية، استغلوا الثورة الرقمية للتحول إلى معارضين مؤثرين، رغم أن خطابهم قد ينجرف أحيانًا نحو العنف والكراهية.

ويرى سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن غياب معارضة برلمانية قوية أدى إلى ظهور معارضة افتراضية تركز على قضايا معيشية مثل غلاء الأسعار ونقص المياه والسكن وغيرها، مشيرًا إلى أن بعض هذه الحركات تتجاوز الأطر التقليدية وتتبنى خطابات صدامية ضد النظام القائم.

فيما أشار عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع، إلى ظهور "أعيان جدد" في الفضاء الرقمي، يمارسون ما سماه "استراتيجية الفضح"، والتي تعتمد أحيانًا على استدرار العاطفة باستخدام أساليب درامية.

كما لفت الانتباه إلى انتشار خطاب الكراهية والعنف في بعض الأوساط الرقمية، وهو ما يهدد بتحول المعارضة الرقمية إلى أداة تفكيك بدل أن تكون وسيلة إصلاح.

وأوضح مصطفى الخلفي، الوزير السابق، أن المعارضة الرقمية نوعان: الأولى يمارسها الفاعلون السياسيون عبر الوسائط الرقمية، والثانية يقودها أشخاص غير منتمين إلى أي إطار سياسي، قد يكونون معروفين أو مجهولين.

وأشار إلى أن توسع استخدام الإنترنت والبث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منح هذه المعارضة قدرة كبيرة على الانتشار والتأثير، مبرزًا أن أكثر من 27 مليون حساب فيسبوك في المغرب يتيح فضاءً واسعًا للتعبئة والتواصل.

واستدل الخلفي بتجارب ملموسة أثبتت فاعلية المعارضة الرقمية، مثل حملة مقاطعة بعض المنتجات سنة 2018، التي حققت تأثيرًا اقتصاديًا واضحًا، إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي خلال زلزال الحوز في تنسيق المساعدات.

لكنه شدد على أن المعارضة الرقمية، رغم قوتها، لا يمكن أن تعوض المعارضة الميدانية، موضحًا أن احتجاجات "الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد" أو طلبة الطب، لم تعتمد فقط على التفاعل الرقمي، بل كانت التعبئة المباشرة عنصرًا أساسيًا في استمراريتها.

في ظل هذه التحولات، يؤكد المتخصصون على ضرورة تعزيز الفكر النقدي داخل المجتمع المغربي، إذ أن غياب التعليم الفلسفي والتضييق على النقاش الحر، جعلا المجتمع أكثر عرضة للتلاعب الرقمي، وأقل قدرة على التمييز بين الخطاب الإصلاحي الحقيقي والمحتوى التضليلي.

ختامًا، يرى الخبراء أن إعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع الرقمي أمر ضروري، ويتطلب انفتاح المؤسسات السياسية والإعلامية على الفضاء الرقمي بدل تركه ساحة مفتوحة للفاعلين غير المؤطرين، مع ضرورة تعزيز الوعي النقدي لتفادي الانزلاقات التي قد تحول المعارضة الرقمية من أداة ضغط إيجابية إلى عامل تفكيك وانقسام داخلي.

آخر الأخبار