1300 مليار في مهب الريح.. مطالب بمحاسبة مستوردي الأغنام

في ظل تصاعد الغضب الشعبي والجدل السياسي حول الدعم الحكومي الموجه لمستوردي الأغنام واللحوم، تتزايد المطالب بمحاسبة المسؤولين عن سوء توزيع هذه الأموال واسترجاع ما وُصف بـ"الدعم المنهوب".
القضية أثارتها النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، التي وجهت سؤالًا كتابيًا إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مطالبة بالكشف عن التدابير التي ستُتخذ لمحاسبة المتورطين في هذا الملف واسترداد الأموال التي لم تحقق الغاية المرجوة منها.
وقالت التامني في معرض سؤالها، إن الدعم الذي تم تخصيصه لمستوردي الأغنام واللحوم، والذي كان من المفترض أن يكون حلا لتخفيف الأعباء عن المواطنين وتحقيق انخفاض حقيقي في الأسعار، أصبح أداة لاستفادة فئة معينة من المقربين الذين استفادوا من مبلغ 1300 مليارا، ذهبت لجيوب المستوردين المحظوظين.
بل إن الأسعار واصلت ارتفاعها، ما اعتبرته البرلمانية "سرقة مفضوحة للمال العام"، وطالبت الحكومة بتحمل مسؤوليتها السياسية عن هذا "الفشل الذريع" في توزيع الدعم.
وتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية دفع العديد من الأطراف إلى دق ناقوس الخطر، خصوصًا بعد إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام بسبب الارتفاع المهول في الأسعار، وهو ما دفع التامني للتساؤل عن كيفية تعامل الحكومة مع هذا الوضع، لا سيما مع استمرار تقديم الدعم لمستوردي الأغنام رغم فشل الإجراء في تحقيق أي نتيجة إيجابية.
كما نبهت إلى أن ما يحدث اليوم يُشبه ما جرى مع شركات المحروقات، حيث استفادت فئة محددة من أرباح ضخمة بينما لم يجنِ المواطنون سوى الغلاء والمعاناة.
وفي سياق متصل، كشف وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، خلال استضافته في برنامج Le Debrief على قناة ميدي 1، عن وجود 18 مضاربًا يتحكمون في سوق اللحوم الحمراء، مشيرًا إلى أنهم رفعوا هوامش الربح بشكل غير مسبوق.
ورغم أن الحكومة فتحت باب الاستيراد وألغت الرسوم الجمركية بهدف تخفيف الضغط عن المواطنين، إلا أن المضاربين استغلوا الوضع لصالحهم، مما أدى إلى تفاقم الأسعار بدلًا من انخفاضها.
الوزير أوضح أن الحكومة قامت بعدة إجراءات لضبط السوق، من بينها استيراد 200 ألف رأس من الأغنام وإلغاء الرسوم الجمركية، إلا أن التحقيقات أظهرت أن المستوردين رفعوا هامش الربح إلى مستويات غير مقبولة، حيث تجاوزت الأرباح 40 درهمًا للكيلوغرام، مقارنة بـ20 إلى 25 درهمًا سابقًا.
كما أشار إلى أن الحكومة أتاحت الفرصة للجميع للاستيراد، لكن احتكار فئة معينة لهذا المجال أثار تساؤلات حول استمرار التلاعب بالسوق.
الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، انضم بدوره إلى قائمة المنتقدين، حيث هاجم المضاربين في أسعار الأضاحي، متهمًا بعض المستوردين والتجار باستغلال الدعم الحكومي لتحقيق أرباح غير مشروعة.
وخلال مهرجان خطابي بإقليم الجديدة، كشف بركة أن الحكومة قدمت دعمًا بقيمة 500 درهم عن كل كبش مستورد، ورغم ذلك وصل سعره إلى المستهلك بأكثر من ضعف تكلفته الأصلية، وهو ما اعتبره دليلاً على تلاعب المستفيدين من الدعم وغياب الرقابة الفعالة.
وفي تطور جديد، كشف محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في تدوينة له عبر صفحته على الفيسبوك أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية باشرت تحقيقًا قضائيًا حول استفادة بعض المستوردين من مبالغ ضخمة، يُقال إنها بلغت نحو 73 مليار سنتيم لكل واحد من المستوردين الـ18 المتورطين في استيراد الأغنام والأبقار.
وأوضح الغلوسي أن هؤلاء المستوردين حصلوا على دعم مالي وإعفاءات ضريبية بهدف خفض الأسعار، إلا أنهم استغلوا الفرصة لمضاعفة أرباحهم، بينما بقي المواطن يعاني من الأسعار الملتهبة.
ووصف الغلوسي ما حدث بأنه "سرقة موصوفة لمقدرات المجتمع في واضحة النهار"، معتبرًا أن تصريحات نزار بركة أكدت ما كان يُشاع عن هذه الفضيحة.
ودعا إلى تعميق التحقيق في القضية، مع منع المشتبه فيهم من مغادرة البلاد لضمان سير الأبحاث القضائية وفق القانون، خصوصًا مع ورود أنباء عن تورط برلمانيين استغلوا مواقعهم لاختلاس المال العام بدلًا من خدمة المواطنين.
كما شدد الغلوسي على ضرورة حجز ممتلكات وأموال المتورطين في هذه القضية كإجراء وقائي، مع البحث في مصادر ثرواتهم وتحريك مسطرة الاشتباه في غسل الأموال.
وطالب بمصادرة الأموال المشبوهة وإعادتها إلى خزينة الدولة، لضمان تحقيق العدالة وحماية المال العام من الاستنزاف المستمر.
في ظل هذه التطورات، تظل الأنظار موجهة نحو الحكومة ومدى جديتها في معالجة هذا الملف، وسط مطالب متزايدة بمحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة.