تضارب الأرقام بين السياسيين يشعل الجدل.. ومطالب بالكشف عن أسماء مستوردي الأبقار والأغنام

الكاتب : انس شريد

30 مارس 2025 - 09:30
الخط :

يتصاعد الجدل في الأوساط السياسية والاجتماعية بالمغرب حول الدعم الحكومي الذي خُصص لمستوردي الأغنام واللحوم خلال السنة الماضية، وسط مطالب شعبية متزايدة بمساءلة المسؤولين عن آليات توزيع هذه الأموال.

فبينما يراه البعض خطوة ضرورية لضمان استقرار السوق، يعتبره آخرون دعماً لم يُدبَّر بالشكل الأمثل، مما يستوجب المحاسبة واسترجاع الأموال التي لم تحقق الغاية المرجوة منها.

هذا النقاش الحاد يأتي في وقت يشهد فيه المواطن المغربي ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار اللحوم الحمراء، مما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر، وأثار تساؤلات مشروعة حول مدى نجاعة التدابير الحكومية

. كيف يُمكن لدعم بالمليارات أن يُصرف دون أن ينعكس إيجاباً على جيوب المستهلكين؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في ظل تفاقم الأزمة.

خلال الأيام الأخيرة، تحوَّل الجدل إلى صراع سياسي علني بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والاستقلال، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بشأن التكلفة الحقيقية التي تحملتها الميزانية العامة للدولة بسبب الإعفاءات الضريبية التي مُنحت لمستوردي الأبقار والأغنام.

ففي الوقت الذي أكد فيه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، أن كلفة استيراد المواشي تجاوزت حاجز 13 مليار درهم، خرجت تصريحات معاكسة من حزب التجمع الوطني للأحرار تقلل من هذه الأرقام، مما زاد من حالة التضارب وأجج الغضب الشعبي.

رشيد الطالبي العلمي، خلال ندوة نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني، أوضح أن الأرقام المتداولة حول حجم الدعم الحكومي غير دقيقة، مؤكدًا أن الحكومة سعت إلى حماية القطيع الوطني وضمان استقرار الأسعار

وأكد أن العدد الفعلي للمستوردين بلغ 100 وليس 18 كما ذكرت بعض التقارير، وأن الكلفة لم تتجاوز 300 مليون درهم، خلافًا لما تم الترويج له عن بلوغها 13 مليار درهم، ما يعكس تضاربًا واضحًا في الأرقام المتداولة.

وأوضح العلمي أيضًا أن تصريحات وزير التجهيز والماء، نزار بركة، حول استيراد الأغنام والأبقار كانت تعبيرًا عن رأيه الحزبي وليس عن موقف حكومي رسمي، بناءً على المعطيات المتوفرة لديه.

كما نفى بشكل قاطع إمكانية وجود خروف بسعر 500 درهم، معتبرًا أن هذا الرقم غير واقعي ولا يمكن أن يوجد في أي سوق بالعالم، مما يثير التساؤلات حول مصادر هذه الادعاءات.

وتحدث رئيس مجلس النواب عن الأسباب التي دفعت الحكومة إلى تعليق رسوم استيراد الأغنام، حيث أشار إلى أن القطيع الوطني شهد تراجعًا كبيرًا، مما استدعى تدخل الحكومة لضمان توفر الأضاحي بأسعار مقبولة خلال عيد الأضحى، مع استهداف سقف 4500 درهم للأضحية.

كما شدد على أن الحكومة لا تستطيع التنبؤ بكافة الاختلالات التي قد تطرأ أثناء تنفيذ مثل هذه القرارات، ولا يمكن تحميلها المسؤولية عن أي انحرافات أو سوء تدبير قد يحدث أثناء عملية الاستيراد.

في ظل الانتقادات الحادة التي تعرضت لها الحكومة بسبب هذا القرار، دعا العلمي جميع الأطراف التي تمتلك أدلة على وقوع اختلاس أو تبديد للأموال العامة إلى التوجه إلى القضاء، مؤكدًا أن الاتهامات التي لا تستند إلى دلائل ملموسة تبقى مجرد مزاعم غير قابلة للتحقق.

ففي حين أكد رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، أن الدعم المقدم لم يتجاوز 300 مليون درهم، مشددًا على أن عدد المستوردين لم يتعدَّ 100، فإن الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، قدم وثائق رسمية تشير إلى أن إجمالي الإعفاءات الضريبية والدعم المالي تجاوز 13.3 مليار درهم، واستفاد منه 277 مستورداً.

نبيل بنعبد الله، من جانبه، استند إلى وثيقة رسمية تحمل معطيات تفصيلية تثبت أن الإعفاءات الضريبية والدعم تجاوزت 13.3 مليار درهم، ودعا الحكومة إلى تقديم توضيحات شفافة حول كيفية توزيع هذه الأموال ومدى استفادة المواطنين منها.

ونشر هذه المعطيات عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، مؤكدًا أن المواطنين لهم الحق في معرفة أين تذهب أموالهم، متسائلاً عن السبب وراء عدم تحقيق انخفاض في أسعار اللحوم رغم هذا الدعم الضخم.

وكشفت الوثيقة التي استند إليها نبيل بنعبد الله أن الحكومة تحملت إعفاءات ضريبية بقيمة 7.3 مليار درهم على استيراد الأبقار و3.86 مليار درهم على استيراد الأغنام، إلى جانب دعم مالي مباشر لاستيراد الأغنام بمناسبة عيد الأضحى الماضي بقيمة 237 مليون درهم، وهو ما يثير تساؤلات حول الجهة التي استفادت فعليًا من هذه الإعفاءات.

هذا التضارب في الأرقام أثار موجة غضب واسعة، خاصة أن أسعار اللحوم لم تعرف انخفاضًا رغم هذا الدعم الكبير.

فمنذ بداية العام، عانى المستهلك المغربي من ارتفاع غير مسبوق في أسعار اللحوم، وهو ما يضع علامات استفهام حول جدوى هذه الإجراءات الحكومية، خصوصًا أن الهدف الرئيسي كان تخفيف العبء عن المواطنين خلال المناسبات الدينية مثل عيد الأضحى.

إلى جانب الجدل السياسي، دخلت جمعيات المجتمع المدني على الخط، مطالبة بكشف أسماء المستفيدين من الدعم الحكومي.

فقد أكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عبر حسابه الرسمي أن غياب الشفافية في توزيع هذه الأموال يفتح المجال أمام الشبهات والفساد، داعيًا إلى نشر لائحة المستفيدين لضمان عدم استغلال الأموال العامة لمصالح ضيقة.

كما دعت عدة جهات رقابية، مثل المرصد المغربي لحماية المستهلك، إلى فتح تحقيق مستقل حول ما وصفته بـ"فراقشية" استيراد الأبقار والأغنام، مشيرة إلى أن المعلومات المتداولة حول هدر المليارات تحتاج إلى تدقيق رسمي.

وبين تصريحات رسمية متضاربة وضغط متزايد من المجتمع المدني، يظل السؤال المطروح: لماذا لم ينعكس هذا الدعم على أسعار اللحوم؟ وهل ستستجيب الحكومة لمطالب الكشف عن لوائح المستفيدين؟

في ظل هذا الوضع، تزداد المطالب بتدخل قضائي عبر فتح تحقيق من قبل النيابة العامة لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين المحتملين في أي تجاوزات مالية.

آخر الأخبار