أنظمة مراقبة متطورة.. المغرب يراهن على الذكاء الاصطناعي لتأمين مدنه ومكافحة الجريمة

في ظل التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا والتحولات الرقمية التي تعيد رسم ملامح المدن الذكية، أصبحت أنظمة المراقبة الذكية أحد أهم الأدوات لتعزيز الأمن والاستقرار في المجتمعات الحضرية.
ومع استعداد المغرب لاستضافة أحداث رياضية عالمية كبرى، مثل كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، تتجه الأنظار إلى العاصمة الرباط ومدن أخرى، حيث يتم العمل على تطبيق أنظمة مراقبة متطورة تعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
في هذا السياق، أطلقت شركة “فاس الجهة للتهيئة”، التابعة لولاية جهة فاس مكناس، في مدينة فاس مشروعًا طموحًا يهدف إلى تطوير وتوسيع أنظمة المراقبة بالفيديو، ضمن خطة استراتيجية لتعزيز الأمن والحد من معدلات الجريمة.
وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذا المشروع حوالي 98 مليون درهم، حيث تم فتح طلب عروض مفتوح بأقساط متعددة، ومن المقرر الإعلان عن نتائج الصفقة خلال الأشهر المقبلة.
المشروع، الذي يشمل تركيب أنظمة متقدمة لتحليل الفيديوهات والتعرف على الوجوه، يسعى إلى توفير بيئة حضرية أكثر أمانًا للمواطنين.
ويعتمد هذا النظام على بنية تحتية تكنولوجية متطورة تشمل خوادم مركزية تعمل بتقنية (1+1) لضمان استمرارية التشغيل، ومعالجات فائقة السرعة وذاكرة وصول عشوائي كبيرة لتأمين تسجيل واسترجاع البيانات بسلاسة.
كما تم تزويد النظام بوحدات تخزين عالية السعة تتيح تسجيل الفيديو بجودة 4 ميجابكسل لمدة تصل إلى 30 يومًا، بسعة تصل إلى 16 تيرابايت، مع تخزين صور التعرف على الوجوه لفترة مماثلة.
ويتميز هذا المشروع بقدرات تحليلية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للنظام التعرف على الأهداف المتحركة، والتقاط ما يصل إلى 120 وجهًا في آن واحد، مع إمكانية مطابقة البيانات مع مكتبة تضم 150 ألف وجه.
كما يتيح النظام التعرف على لوحات السيارات وتحليل أنماط الحركة، مما يعزز من قدرة الأجهزة الأمنية على التدخل السريع عند الضرورة.
من جهة أخرى، تعمل مدينة الرباط على تنفيذ مشروع مماثل، يهدف إلى تحويلها إلى مدينة ذكية أكثر أمانًا، عبر نشر مئات الكاميرات المتطورة في مختلف المناطق الحيوية.
وقد تم إسناد تنفيذ المشروع إلى شركتين متخصصتين، بميزانية تتجاوز 100 مليون درهم، مع الالتزام بجدول زمني دقيق يضمن تشغيل النظام قبل نهاية العام الجاري.
ويتكون المشروع من شقين رئيسيين: الأول يشمل إنشاء مراكز قيادة متطورة مجهزة بأحدث التقنيات لإدارة العمليات الأمنية بشكل مركزي، مما يمكن السلطات من الاستجابة الفورية للحوادث الأمنية.
أما الشق الثاني، فيركز على نشر شبكة واسعة من الكاميرات الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يسمح بالتعرف على الوجوه، وقراءة لوحات المركبات تلقائيًا، والكشف عن أي سلوكيات غير طبيعية في الوقت الفعلي.
تعتمد هذه الأنظمة على شبكات ألياف بصرية متقدمة، مما يتيح نقل البيانات بسرعة فائقة وتحليلها في الوقت الحقيقي، ما يسهم في تحسين آليات التدخل الاستباقي لمكافحة الجريمة.
وتعد هذه التقنيات نقلة نوعية في أساليب تأمين الفضاءات العامة، حيث تتيح إمكانية تعقب المطلوبين أمنيًا والتعامل مع التهديدات المحتملة بكفاءة عالية.
وقد تزايدت خلال الأشهر الأخيرة المطالب البرلمانية بتعميم هذه الأنظمة في مختلف المدن المغربية، حيث أكدت عدة جهات أن استخدام أنظمة المراقبة الذكية ليس مجرد خيار تقني، بل ضرورة ملحة لتعزيز الأمن المجتمعي.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الداخلية عن نيتها توسيع نطاق المراقبة عبر الكاميرات، ضمن جهودها المستمرة لتعزيز الأمن وحماية المواطنين.
إلى جانب الجانب الأمني، يُتوقع أن يكون لهذه المشاريع انعكاسات إيجابية على الاقتصاد والاستثمار، حيث أن المدن التي تتوفر على أنظمة أمنية متطورة غالبًا ما تكون أكثر جاذبية للمستثمرين والسياح.
فالأمن عنصر رئيسي في تحفيز النشاط الاقتصادي وتعزيز الثقة في بيئة الأعمال، مما يعزز مكانة المغرب كوجهة آمنة ومستقرة للاستثمارات الدولية.
ومع اقتراب موعد استضافة البطولات الرياضية الكبرى، يكتسب هذا المشروع أهمية إضافية، إذ سيساهم في تأمين تدفق الجماهير الرياضية وضمان سلامتهم خلال هذه الفعاليات الدولية.
كما يعكس هذا التوجه التزام المغرب بتطبيق أحدث الحلول التكنولوجية في مجال الأمن، بما يتماشى مع المعايير الدولية المتقدمة.
من جانب آخر، أكدت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي على ضرورة تحقيق توازن بين تعزيز الأمن واحترام الخصوصية الفردية، مشددة على أهمية الامتثال للقوانين المنظمة لحماية البيانات الشخصية.
وقد أوضحت اللجنة مؤخرا في بيانها أنها ستعمل على مراقبة مدى التزام هذه المشاريع بالإطار القانوني المعمول به، مع تكثيف جهود التوعية لضمان التطبيق السليم لهذه الأنظمة.
بالتوازي مع هذه الجهود، تشهد مدينة طنجة تنفيذ مشروع متكامل لأنظمة المراقبة الذكية، والذي يشمل تركيب أكثر من 500 كاميرا مراقبة عالية الدقة موزعة على نقاط استراتيجية، وربطها بشبكة ألياف بصرية تمتد على طول 20 كيلومترًا.
كما يشمل المشروع تطوير مركز تحكم حديث في مقر ولاية الأمن، إلى جانب تحديث إشارات المرور وإدخال أنظمة ذكية لتنظيم حركة السير.
يمثل هذا المشروع جزءًا من استراتيجية وطنية شاملة لتوظيف التكنولوجيا في تعزيز الأمن الحضري، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وتعزيز جودة الحياة في المدن المغربية.
ومع استمرار تطور هذه التقنيات، يبدو أن مستقبل الأمن الحضري في المغرب يسير نحو آفاق أكثر ذكاءً وكفاءة، مما يعزز مكانة المملكة في مصاف الدول الرائدة في تبني الحلول الأمنية الذكية.