نفق إسبانيا – المغرب يدخل حيز الدراسة.. هل يتحقق الحلم القديم؟

في خطوة تعكس عودة الاهتمام السياسي والاستراتيجي بمشروع الربط القاري بين أوروبا وإفريقيا، أطلقت الحكومة الإسبانية دراستين جديدتين حول النفق البحري المزمع إنشاؤه بين إسبانيا والمغرب عبر مضيق جبل طارق.
ويأتي هذا المشروع في إطار التحضيرات المشتركة لاستضافة كأس العالم 2030 من قبل إسبانيا والمغرب والبرتغال، مما يعزز من أهمية الربط القاري كجزء من بنية تحتية استراتيجية عابرة للقارات.
وذكرت صحيفة "إل بيريوديكو دي إسبانيا" أن الشركة العمومية الإسبانية "Secegsa"، بتكليف من الحكومة، بدأت فعليًا في تنفيذ دراستين حاسمتين تمهدان الطريق لإنجاز هذا المشروع الضخم. الأولى تركز على "التحليل الجيوتقني لعقبة كامارينال"، بهدف تقييم السبل المثلى لحفر قاع البحر في المنطقة الأكثر تعقيدًا جيولوجيًا في المضيق.
أما الدراسة الثانية، حسب الصحيفة، فتتعلق بالمراقبة الزلزالية، باستخدام أجهزة متطورة من شركة "Tekpam Ingeniería"، وتتم تحت إشراف مباشر من البحرية الإسبانية.
ويؤكد الخبراء، وفقا للتقرير أن هذه الخطوة تعكس إرادة متزايدة لدى مدريد والرباط لإحياء المشروع الذي ظل مؤجلًا لعقود بسبب تحدياته التقنية والتكلفة المالية المرتفعة، التي قد تصل إلى 15 مليار يورو.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن النفق سيمتد لمسافة 60 كيلومترًا، منها 28 كيلومترًا تحت قاع البحر، وسيربط بين مدينة الجزيرة الخضراء الإسبانية وميناء طنجة المغربي، ليكون مخصصًا لنقل المسافرين والبضائع، مما سيفتح آفاقًا جديدة للتكامل الاقتصادي بين الضفتين.
ووفقًا لصحيفة "أوكيداريو" الإسبانية، فإن المشروع يواجه سلسلة من التحديات التقنية والبيئية والاقتصادية. فمن الناحية الجيولوجية، يتطلب الحفر عبر مواد معقدة، كما أن النشاط الزلزالي في المنطقة يشكل عاملًا إضافيًا للمخاطر.
ومن جانب آخر، أكدت الصحيفة، أنه يتوجب تقييم الأثر البيئي للنفق على النظم البيئية البحرية، بالإضافة إلى ضرورة وضع بروتوكولات صارمة لضمان السلامة والصيانة المستمرة للنفق.
رغم هذه التحديات، تشير التقارير إلى أن المشروع يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، الذي أدرجه ضمن أولويات "مرفق التعافي والصمود"، مما يفتح الباب أمام تمويل أوروبي معتبر.
ووفقا للتقارير الإعلامية الاسبانية، فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر المشروع بنية تحتية استراتيجية قادرة على تقليل ضغط الهجرة غير النظامية وتعزيز التبادل التجاري بين القارتين.
وتتوقع مصادر تقنية، وفقا للصحف الإسبانية، أن يتم الانتهاء من الدراسات بحلول شتنبر المقبل، لتحديد مدى قابلية تنفيذ المشروع والمخاطر المرتبطة به. وإذا سارت الأمور وفق المخطط، فقد يتم تشغيل النفق بحلول عام 2040.
ومع ذلك، يبقى نجاح المشروع مرهونًا بالإرادة السياسية للدول المعنية، وتأمين التمويل اللازم، بالإضافة إلى التغلب على التحديات الهندسية التي حالت دون تنفيذه على مدى العقود الماضية.
ويُعد النفق البحري بين المغرب وإسبانيا، حسب التقارير الاعلامية، أضخم مشروع من نوعه في البحر الأبيض المتوسط، وأطول حتى من "نفق المانش" الذي يربط بريطانيا بفرنسا.
وإذا تحقق، فسيشكل تحولًا جذريًا في العلاقات الأورومتوسطية، وسيساهم في تعزيز التكامل الاقتصادي بين القارتين، مما قد يجعل الربط القاري بين أوروبا وإفريقيا واقعًا ملموسًا لأول مرة في التاريخ الحديث.