جدل دعم مستوردي الأغنام.. هل المعارضة لا تثق بأرقام وزارة الفلاحة؟

يشهد المغرب في الفترة الأخيرة جدلاً واسعاً حول الدعم الحكومي الموجه لمستوردي الأغنام واللحوم الحمراء، إذ تصاعدت حدة النقاش بين الأوساط السياسية والاقتصادية، بالتزامن مع غضب شعبي بسبب استمرار ارتفاع أسعار هذه المنتجات الأساسية رغم التدابير الحكومية.
وتحول الملف إلى ساحة مواجهة سياسية، حيث طفت على السطح تساؤلات حول التكلفة الحقيقية للدعم المقدم للمستوردين، خاصة في ظل تضارب الأرقام المعلنة من قبل أعضاء الحكومة والقيادات الحزبية.
وفي هذا السياق، طالب إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، بعقد اجتماع طارئ للجنة المالية والتنمية الاقتصادية بحضور الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، لتقديم توضيحات حول كلفة هذا الدعم ومدى انعكاسه على القدرة الشرائية للمواطنين.
الطلب الذي قدمه السنتيسي سلط الضوء على ما وصفه بحالة من الارتباك والضبابية التي تسببت فيها التصريحات الحكومية المتضاربة، حيث أشار إلى ضرورة تقديم معطيات دقيقة حول عدد المستوردين المستفيدين من هذا الدعم، والكلفة الفعلية التي تحملتها الميزانية العامة، خاصة في ظل تواصل ارتفاع أسعار الأضاحي واللحوم الحمراء.
وفي سؤال كتابي موجه إلى الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، استفسر السنتيسي عن مدى احترام الحكومة لمبادئ الحكامة والشفافية في تدبير المالية العمومية، مشيراً إلى أن "الرأي العام تفاجأ بتضارب صارخ في الأرقام المعلنة من قبل مسؤولين حكوميين وآخرين حزبيين، مما خلق حالة من الارتباك والضبابية بشأن حقيقة التكلفة الحقيقية لهذه العمليات، مما يثير تساؤلات مشروعة حول مبدأ الحكامة والشفافية في تدبير المالية العمومية ومدى احترام الحكومة لحق المواطنات والمواطنين في المعلومة الدقيقة، خاصة لما يتعلق الأمر بملفات اجتماعية حساسة وذات تأثير مباشر على القدرة الشرائية والأمن الغذائي".
وسبق أن كشفت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ببيان كشفت فيه عن تفاصيل الدعم المخصص لاستيراد الأغنام الموجهة لعيد الأضحى خلال سنتي 2023 و2024، مؤكدة أن التكلفة الإجمالية بلغت 437 مليون درهم، منها 193 مليون درهم لعام 2023 و244 مليون درهم لعام 2024.
وأضافت الوزارة أن إجمالي عدد الأغنام المستوردة بلغ 875 ألف رأس، منها 386 ألف رأس خلال سنة 2023 و489 ألف رأس خلال سنة 2024، مع الإشارة إلى أن عملية الاستيراد ما زالت مفتوحة وفق شروط محددة.
وأوضحت الوزارة أن عدد المستوردين الذين تمكنوا من الانخراط في مسطرة الاستيراد بلغ 156 مستورداً، منهم 61 مستورداً سنة 2023 و95 مستورداً سنة 2024.
كما أكدت أن الحكومة خصصت دعماً بقيمة 500 درهم لكل رأس من الأغنام الموجهة للذبح خلال عيد الأضحى.
وأكدت الوزارة أن الإجراءات الحكومية، بما في ذلك تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، ساهمت في تعزيز المعروض من الأغنام والحفاظ على استقرار أسعار اللحوم.
كما شددت على أن هذا الدعم يأتي في إطار تدابير أوسع لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، تشمل إعفاءات ضريبية على مجموعة من المنتجات الاستهلاكية، خاصة في ظل التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن التضخم العالمي وتوالي سنوات الجفاف.
في ظل هذا السجال، يبقى التساؤل مطروحاً حول مدى نجاعة التدابير الحكومية في تحقيق الأهداف المرجوة منها، خاصة أن الأسعار ما زالت مرتفعة رغم الدعم المقدم للمستوردين.
كما أن تضارب الأرقام الرسمية يثير مخاوف حول الشفافية في تدبير المالية العمومية، مما يعزز من حالة الشك وعدم الثقة بين المواطنين والمعارضة من جهة، والحكومة من جهة أخرى.
ويبدو أن هذا الجدل لن ينتهي قريباً، خاصة أن المعارضة تصر على فتح نقاش موسع حول تفاصيل الدعم، فيما تؤكد الحكومة أنها تعمل وفق رؤية واضحة تستهدف تخفيف الأعباء على المواطنين.
ومع استمرار ارتفاع الأسعار، يظل الرأي العام مترقباً لأي مستجدات قد تؤثر على قدرته الشرائية، سواء من خلال توضيحات حكومية أكثر دقة، أو قرارات جديدة تضمن تخفيض أسعار الأضاحي واللحوم الحمراء بشكل ملموس.