العاقل: ملخص لتاريخ النوع البشري (31) – الجريدة 24

العاقل: ملخص لتاريخ النوع البشري (31)

الكاتب : الجريدة24

04 أبريل 2025 - 09:30
الخط :
أمينة المستاري
 
 
السعادة البشرية

ينتقل هراري في حديثه إلى الـ 500 سنة الماضية، التي شهدت سلسلة من الثورات المدهشة، ويتساءل: هل أصبح الناس أكثر سعادة بعد أن توحدت الكرة الأرضية في مجال بيئي وتاريخي واحد، ونما الاقتصاد، وازدهرت البشرية بفضل الثروة التي تحققت؟ وهل جعلت الألفية السبعين منذ الثورة الفكرية العالم مكانًا أفضل للعيش؟

يجيب هراري بأن العلماء نادرًا ما يطرحون مثل هذه الأسئلة الجوهرية عن التاريخ ومدى رضا شعوب أورك أو بابل أو المصريين، على سبيل المثال. ويضيف أن معظم الأيديولوجيات الحديثة تعتمد على أفكار هشة بشأن مصدر السعادة البشرية (مثل الرأسمالية والشيوعية)، لكن ماذا لو تم دحض هذه الفرضيات؟ يؤكد الكاتب أن المؤرخين يتجنبون عادة طرح أسئلة حول تأثير هذه التطورات على السعادة البشرية.

يشير هراري إلى رأي شائع مفاده أن البشر يستخدمون قدراتهم للتخفيف من معاناتهم، وبالتالي، من المفترض أن يكونوا أسعد من أسلافهم وجامعي العصر الحجري. لكنه يرى أن هذه الفكرة غير مقنعة، فالمهارات والسلوكيات الجديدة لا تضمن بالضرورة حياة أفضل. كما تم الإشارة إليه في تاريخ المجتمعات، كل اختراع جديد قد يكون خطوة إضافية بعيدًا عن "جنة عدن"، وهو ما يراه هراري رؤية متشائمة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الطب، على سبيل المثال، قلص معدل وفيات الأطفال، وأسهم في سعادة الأطفال وعائلاتهم.

يتطرق الكاتب إلى موقف أكثر توازنًا يقول فيه إنه لم يكن هناك ارتباط واضح بين السلطة والسعادة قبل الثورة العلمية. لكن هراري يعتقد أن هذا الموقف مبسط للغاية، لأنه يعتمد على فترة زمنية قصيرة جدًا. ويلاحظ أن غالبية البشر لم يبدأوا في الاستفادة من ثمار الطب الحديث إلا بعد عام 1850. ويقارن بين العقود الذهبية الماضية وعصرنا الحالي الذي يواجه تهديدات جديدة، مثل الخطر النووي، كما يناقش التأثيرات السلبية على البيئة وتجاهل مصير الحيوانات الأخرى التي تتعرض للتجارب والاستغلال الصناعي. وفي النهاية، يؤكد هراري أنه عند تقييم السعادة العالمية، من الخطأ الاقتصار على حساب سعادة الطبقات العليا أو سعادة الأوروبيين أو الرجال فقط، بل يجب مراعاة سعادة البشر جميعًا.

حساب السعادة

على مدار آلاف السنين، خلص العديد من الفلاسفة ورجال الدين والشعراء إلى أن العوامل الاجتماعية والأخلاقية لها تأثير كبير على سعادتنا. ربما يعاني الناس في مجتمعات الرفاهية الحديثة من الاغتراب، بينما قد يجد أسلافنا الأكثر فقرًا الرضا في المجتمع والدين والعلاقة مع الطبيعة.

يشير الكاتب إلى أن علماء النفس وعلماء الأحياء قد درسوا في العقود الأخيرة ما يجعل الناس سعداء، هل هو المال، العائلة، الجينات، أم الفضيلة؟ ويعرف السعادة بأنها "الرفاهية الذاتية"، أي أنها إحساس داخلي. لكن كيف يمكن قياس ذلك؟ يمكن قياسه من خلال الاستبيانات التي تعتمد على إجابات الأفراد لتحديد مستوى الرفاهية الذاتية العام.

يؤكد هراري أن النتيجة الأهم هي أن السعادة لا تعتمد حقًا على الظروف الموضوعية، سواء كانت الثروة أو الصحة أو المجتمع، وإنما تعتمد على العلاقة بين الظروف الموضوعية والتوقعات الذاتية. وهو نفس الاستنتاج الذي وصل إليه الفلاسفة القدماء. ويضيف الكاتب أن توقعات البشر لها آثار واسعة النطاق في فهم تاريخ السعادة.

 سعادة كيميائية

يعتبر علماء الأحياء أن حياتنا العقلية والعاطفية محكومة بآليات كيميائية حيوية تكونت عبر ملايين السنين من التطور، وأن رفاهنا الذاتي يتحدد من خلال نظام معقد من الأعصاب والخلايا العصبية والمواد الكيميائية الحيوية المختلفة. يقول هراري إن نظامنا الكيميائي الحيوي مبرمج للحفاظ على مستويات ثابتة نسبيًا.

يؤكد هراري أن السعادة تبدأ من الداخل، فلا المال ولا المكانة الاجتماعية، ولا الجراحة التجميلية، ولا البيوت الفاخرة، ولا المناصب الرفيعة يمكن أن تؤدي إلى السعادة. فالسعادة الحقيقية تأتي من السيروتونين والدوبامين والأوكسيتوسين.

ثم يطرح الكاتب مجموعة من الأسئلة والافتراضات حول مصدر السعادة: هل تعتمد السعادة حقًا على خداع الذات؟ إذا كانت السعادة مبنية على إحساس بالمتعة، فنحن بحاجة إلى إعادة هندسة نظامنا الكيميائي الحيوي لنصبح أكثر سعادة. أما إذا كانت السعادة تعتمد على شعورنا بأن الحياة ذات معنى، فقد نحتاج إلى إيهام أنفسنا بأننا أكثر فاعلية. لكن هل هناك بديل ثالث؟

يستعرض هراري تفسيرات السعادة في الفلسفات المختلفة، مثل الليبرالية والديانات المتنوعة، مشيرًا إلى أن البوذية، على سبيل المثال، تعطي أهمية كبيرة لسؤال السعادة، حيث أوصى بوذا بالتوقف عن السعي وراء الإنجازات الخارجية والمشاعر الداخلية.

ويختتم هراري بأن العلماء بدأوا في دراسة تاريخ السعادة منذ بضع سنوات فقط، وأن البحث لا يزال في بداياته. ومن المبكر جدًا الوصول إلى استنتاجات حاسمة أو إنهاء نقاش لم يبدأ بعد. فمعظم كتب التاريخ تركز على أحداث عديدة لكنها لا تذكر تأثير ذلك على سعادة الأفراد أو معاناتهم، وهذه هي الفجوة الأكبر في فهمنا للتاريخ.

آخر الأخبار