شيكات بالملايير وسهرات مشبوهة.. ملف "إسكوبار الصحراء" يدخل مرحلة الغليان

الكاتب : انس شريد

04 أبريل 2025 - 07:30
الخط :

في مشهد غير مسبوق على الساحة القضائية المغربية، تتواصل مجريات المحاكمة المدوية التي شغلت الرأي العام المحلي والدولي، والمتعلقة بما بات يُعرف إعلاميًا بقضية "إسكوبار الصحراء"، وهي واحدة من أكبر قضايا الجريمة المنظمة وتبييض الأموال التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة.

وتتابع غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء فصول هذه القضية الشائكة، التي تضم 28 متهمًا من بينهم شخصيات سياسية ورياضية وازنة، أبرزهم سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي، وعبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، إلى جانب برلمانيين ورجال أعمال ووسطاء عقاريين.

وتقرر تأجيل الجلسة إلى الجمعة المقبل لاستكمال الاستماع لباقي المتهمين، في وقت تتكشّف فيه يومًا بعد يوم خيوط شبكة معقدة من العلاقات المشبوهة، التي جمعت بين النفوذ السياسي، المال غير المشروع، وشبكات الاتجار الدولي بالمخدرات.

في قاعة المحكمة، كانت الأنظار مركزة على صهر عبد النبي بعيوي، النائب البرلماني السابق بلمير بلقاسم، الذي استدعته هيئة المحكمة للاستماع إلى أقواله ضمن جلسة مثقلة بالتفاصيل المالية والعقارية.

وواجه القاضي علي الطرشي، حسب ما أكده عدد من المحامين على هامش انتهاء الجلسة، بلقاسم بسيل من الأسئلة حول مصدر ثروة طائلة دخلت إلى حسابه البنكي بين سنتي 2001 و2016، بلغت ما مجموعه 40.071.069.00 درهم.

رد بلقاسم لم يتأخر، مؤكدًا أنه فلاح ومقاول نشط في ميدان التجزئات العقارية منذ ما قبل سنة 2000، إلى جانب نشاطه في المجال الفلاحي بوجدة، مشيرًا إلى توفره على عقود بيع مسجلة، وسجل تجاري باسمه كتاجر معروف بالمدينة.

غير أن التحقيق لم يقتصر على مصادر الثروة، بل امتد إلى ملكية "فيلا كاليفورنيا" بالدار البيضاء، التي قال بلقاسم إنه اشتراها سنة 2013 من صهره عبد النبي بعيوي، لكنه فوجئ بأن عملية البيع موثقة باسم سامية موسى، الزوجة السابقة لبعيوي، عبر وكالة خاصة.

اللافت في الجلسة هو ما اعترف به بلقاسم حول استلامه مبلغ 650 مليون سنتيم نقدًا من سعيد الناصري، إضافة إلى خمسة شيكات بقيمة إجمالية بلغت مليار سنتيم، مقابل بيع الفيلا نفسها.

وأكد أن الناصري أعلمه بنيته تحويل ملكية العقار إلى شركة خاصة قبل أن يبيعها لاحقًا، كما أشار إلى أن توقيع وعد البيع تم داخل مركب نادي الوداد الرياضي، ما يكشف عن تداخل المصالح الشخصية بالمؤسسات الرياضية التي كانت تُدار من قبل المتهمين.

ورغم كل هذه المعطيات، أوضح بلقاسم أن العلاقة التي جمعته بالناصري كانت قائمة على الثقة، بحكم أنه كان رئيسًا لنادي الوداد، نائبا برلمانيا وقياديًا في حزب الأصالة والمعاصرة، فيما بلقاسم نفسه كان يمثل الحزب ذاته تحت قبة البرلمان.

ووصلت هذه الثقة حدًا غير مألوف حين قال إنه لم يسأل الناصري قط عن مصادر الأموال الضخمة التي استلمها منه، بل اكتفى بقبولها على دفعات دون ضمانات موثقة سوى شيكات على سبيل الضمان.

أمام هذه المعطيات، توجه القاضي إلى فحص علاقة بلقاسم بالحاج بنبراهيم، الوسيط المعروف في السوق العقاري، والذي أفاد بأنه توسط في صفقات شراء عقارات بين بعيوي وبلقاسم وسلم الأموال نقدًا دون وثائق.

بلقاسم، من جهته، قال إن معرفته بالحاج سطحية، تعود إلى لقاء وحيد جمعهما خلال محاولة بيع ضيعة فلاحية، نافيا أي شراكة أو علاقة مالية مباشرة.

لم تخلُ الجلسة من إثارة جديدة حين تم التطرق إلى شهادات تحدثت عن "سهرات ماجنة" أقيمت في فيلا كاليفورنيا وضيعة فلاحية بوجدة، جمعت شخصيات بارزة من بينها الناصري وبعيوي وعدد من المشتبه فيهم، بحسب شهادة المدعو "توفيق ز".

فيما أنكر بلقاسم بشكل قاطع علمه بهذه السهرات، مكتفيًا بالقول إن الفيلا كانت في ملكيته منذ 2013، وقد اشتراها بشكل قانوني، دون أن تكون له أدنى علاقة بما وقع فيها لاحقًا.

في نقطة أخرى مثيرة، واجهت المحكمة بلقاسم بمعلومات تشير إلى أن العشيقة المفترضة للحاج بنبراهيم سلمت مفاتيح الفيلا لمدير أعماله، الذي نقلها بدوره إلى سعيد الناصري، مما يوحي باستغلال العقار من طرف الناصري دون وثائق رسمية.

غير أن بلقاسم دافع بقوة عن نفسه، مؤكدًا أن الفيلا لم تُنتزع منه، وأن وضعها رهن تصرف بنبراهيم كان بطلب منه ولمدة خمسة أشهر فقط، وأنه لا علم له بما دار داخلها خلال تلك الفترة.

كل هذه التفاصيل، التي تُطرح تباعًا في جلسات مطولة، ترسم ملامح شبكة كانت تتحرك تحت مظلة الشرعية السياسية والرياضية، لكنها ظلت تغذي أنشطة مالية مشبوهة، عبر غطاءات متعددة تشمل شركات، عقارات، شراكات عائلية، وشيكات موقعة باسم شركات قد تكون وهمية.

آخر الأخبار