جهة الدار البيضاء-سطات تراهن على المرأة المغربية لصناعة تحول اقتصادي شامل

في زمن تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والاجتماعية، بات من الواضح أن تحقيق تنمية حقيقية وشاملة لا يمكن أن يتم دون تمكين النساء وإدماجهن الكامل في دورة الإنتاج والمبادرة.
هذا الفهم الاستراتيجي لم يعد اليوم شعاراً مؤسساتياً يُردد، بل أصبح رؤية متكاملة تتبناها جهات ومجالس ترابية تطمح لإعادة تشكيل ملامح التنمية من الداخل.
وعلى رأس هذه الجهات تبرز جهة الدار البيضاء-سطات، التي جعلت من تمكين المرأة المغربية أحد المحاور المركزية في برنامجها التنموي 2022-2027، واضعة نصب عينيها هدفاً واضحاً: تعزيز دور المرأة كفاعل اقتصادي مستقل، ومؤثر، وشريك في صياغة مستقبل الجهة.
ولم يتردد المجلس الجهوي، في تخصيص غلاف مالي يناهز 16 مليون درهم لإعداد وتنفيذ برنامج للتأهيل والتمكين الاقتصادي لفائدة النساء حاملات المشاريع، إلى جانب الأشخاص في وضعية إعاقة، مع التركيز على مقاربة مندمجة تنطلق من واقع النساء وتطلعاتهن، وتمنحهن الأدوات الضرورية للولوج إلى سوق الشغل وفضاءات المبادرة الحرة.
عدد المستفيدات المستهدفات ضمن هذا البرنامج بلغ 3000 امرأة و300 تعاونية نسائية، في مؤشر قوي على حجم الطموح المراد تحقيقه وعلى رغبة الجهة في صناعة واقع جديد عنوانه الإنصاف والعدالة الاقتصادية.
هذا التوجه لم يكن معزولاً عن باقي ديناميات الجهة، بل جاء منسجماً مع رؤية شاملة ترمي إلى إعادة الاعتبار لدور المرأة داخل النسيج المجتمعي والاقتصادي، عبر توفير بنية تحتية قانونية ومؤسساتية ومالية تساعدها على الانطلاق بثقة.
لم يكتف المجلس بالمساهمة المباشرة في التمويل، بل ذهب إلى بناء شراكات متعددة مع فاعلين ترابيين ومؤسسات عمومية وخاصة، وأطلق مشاريع موازية تهدف إلى توسيع قاعدة النساء المستفيدات، وتوفير برامج تكوين ومواكبة تتلاءم مع خصوصيات كل فئة، بدءاً من النساء في وضعية هشاشة، وصولاً إلى الباحثات في سلك الدكتوراه.
من بين أبرز المشاريع الميدانية التي تم إطلاقها، يبرز برنامج موجه لمواكبة النساء والأطفال في وضعيات صعبة، بميزانية تصل إلى 4 ملايين درهم، ساهمت فيها الجهة بنسبة 50 بالمائة.
في حين تم إطلاق برنامج آخر لدعم الشابات المقاولات بغلاف مالي يفوق 14 مليون درهم، ما يعكس إيمان الجهة بأن الحلول الاقتصادية هي الأجدى في مواجهة الهشاشة والبطالة، خاصة حينما تستهدف النساء القادرات على خلق مشاريع مدرة للدخل وقابلة للاستدامة.
ولا يقف الأمر عند حدود المساعدات الأولية أو الدعم المادي، بل يمتد ليشمل أيضاً بنية مالية مستقلة تعكس جدية الرهان، وهو ما تجسد في إنشاء صندوق استثماري جهوي بميزانية تصل إلى 100 مليون درهم، نصفها مخصص لحاملات المشاريع.
في خطوة جريئة تؤكد أن دعم ريادة الأعمال النسائية لم يعد مجرد خيار ظرفي، بل أصبح جزءاً من سياسة اقتصادية جهوية تعتمد على الطاقات النسائية لتحقيق التوازن والإقلاع.
هذا الاستثمار لم يقتصر على الاقتصاد التقليدي أو المشاريع الصغرى، بل امتد إلى ميادين المستقبل، وعلى رأسها الرقمنة والابتكار.
ففي مدينة المحمدية، تم إحداث مركز للتكنولوجيا الرقمية الذكية، بشراكة مع مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة، وساهمت الجهة فيه بـ11 مليون درهم، ليستفيد منه أكثر من 400 امرأة، من بينهن 84 باحثة شابة تتابع دراستها في سلك الدكتوراه.
هذا المشروع يكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى رهانه على إدماج المرأة في الصناعات المعرفية والتكنولوجية، وإعطائها مكانتها في الاقتصاد الرقمي، الذي يُعد اليوم أحد أسرع المجالات نمواً وتأثيراً.
وفي انسجام مع فلسفة التمكين الشامل، لم تغفل الجهة عن المقاولات الصغرى والمقاولين الذاتيين، فتم إطلاق برامج بتعاون مع مؤسسة محمد الخامس، تتيح للنساء المنتميات للفئات الهشة فرصة تحويل أفكارهن إلى مشاريع قابلة للحياة.
كما أولت الجهة اهتماماً بالصناعات الثقافية والفنية من خلال برنامج موجه للشابات والشباب المبدعين، إدراكاً بأن الاقتصاد الثقافي ليس فقط مصدراً للدخل، بل أيضاً وسيلة لبناء الوعي الجماعي وتعزيز قيم المواطنة والتنوع.
ويأتي ذلك في ظل اعتراف واضح من الجهة بأهمية تحطيم الحواجز التي تعرقل النساء، سواء تعلق الأمر بالولوج إلى التمويل، أو بصعوبات التكوين، أو بضعف التموقع في السوق، وهي معيقات لازالت قائمة وتتطلب سياسة عمومية دقيقة ومستمرة.
على مستوى التدبير الداخلي، سعى المجلس إلى عكس هذه الرؤية التمكينية على تنظيمه المؤسساتي، من خلال العمل على تعزيز حضور النساء في مواقع القرار، سواء في صفوف المنتخبين، أو داخل اللجان، أو في المناصب الإدارية.
التمكين الاقتصادي للنساء لم يعد مجرد شعار أو مطلب اجتماعي، بل أصبح خياراً تنموياً ورافعة استراتيجية لمواجهة الهشاشة وتحقيق الإقلاع الاقتصادي.
وجهة الدار البيضاء-سطات تراهن على مشروع تنموي متكامل يضع المرأة في قلب الرؤية، ويمنحها أدوات الفعل والتأثير.