تحذيرات برلمانية من "انهيار" القطيع الوطني

بالرغم من توالي القرارات التي تروم الحفاظ على القطيع الحيواني والسلالة المغربية، لا تزال بعض السلوكيات التي تتجاوز هذه القرارات تثير الخوف على مستقبل القطيع الوطني.
وتصاعدت الأصوات من تحت قبة البرلمان للتحذير من أزمة صامتة تضرب أحد أهم مكونات الأمن الغذائي الوطني وهو القطيع الحيواني.
ودقت في هذا السياق، النائبة البرلمانية لبنى الصغيري، عضو فريق التقدم والاشتراكية، ناقوس الخطر حول ما وصفته بـ"الاستنزاف الممنهج لقطاع الماشية في غياب أي إجراء حكومي واضح وفعال".
البرلمانية المذكورة راسلت وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، وطالبته بالتدخل بقرارات صارمة لحمياة القطيع الوطني من سلوكيات بعض المهنيين والتجار.
من الجفاف إلى تفكك السوق
وما يضاعف من حدة الوضع هو تراكم الأزمات التي عرفها القطاع الفلاحي المغربي خلال السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها الجفاف الحاد الذي ضرب البلاد على مدى مواسم متتالية، مما تسبب في نذرة الكلأ وارتفاع غير مسبوق في أثمان الأعلاف، الأمر الذي أدى إلى إنهاك كبير للفلاحين الصغار والمتوسطين، الذين يشكلون العمود الفقري لتربية الماشية، ودفع بالكثير منهم إلى بيع قطعانهم لتقليص الخسائر.
ورغم التدخلات الظرفية التي قامت بها الحكومة في بعض المحطا، كالدعم الموجه للأعلاف أو الاستيراد الاستثنائي للماشية لمواجهة ارتفاع الأسعار، إلا أن تلك الإجراءات افتقرت إلى البعد الاستراتيجي والفعالية، وظلت رهينة منطق "المسكنات" دون أن تحقق أي هدف لا من حيث رخاء اللحوم في الاسواق ولا من حيث رخاء اضاحي العيد.
القرار الملكي.. وأزمة مضاعفة
في هذا السياق، جاء القرار الملكي القاضي بإلغاء شعيرة الذبح خلال عيد الأضحى لسنة 1446 هـ كخطوة استثنائية ذات بعد اجتماعي واستراتيجي، هدفها حماية القطيع الوطني ومنح الفلاحين فرصة لإعادة بناء مخزونهم الحيواني، بعدما تأكد أن الحكومة لم تنجح في تحقيق الرخاء رغم صرف ملايير كبيرة على ذلك.
غير أن هذا القرار، بدل أن يُترجم إلى انفراج في السوق وتوازن في سلاسل العرض والتوزيع، فتح الباب أمام ممارسات انتهازية وصفها مراقبون بـ"المخلة بالأمن الاقتصادي".
وفقا لما كشفته النائبة الصغيري، فقد تحرك لوبي من المضاربين وتجار الأزمات لشراء رؤوس الماشية بأسعار منخفضة بشكل حاد، بعد انهيار سوق الأضاحي بنسبة قاربت 50%، ثم إعادة بيع اللحوم بأسعارها السابقة دون أي تخفيض، مما جعل المستهلك المغربي لا يستفيد مطلقا من تداعيات القرار الملكي، في حين يمنى الفلاح والمربي بخسائر فادحة.
غياب الرقابة..!
وما يثير القلق أكثر من سلوك المضاربين أنفسهم، هو الصمت الحكومي المريب تجاه هذه التجاوزات. تساءلت الصغيري، عن مدى تحرك وزارة الفلاحة لضبط السوق ووقف النزيف الذي يهدد استدامة الثروة الحيوانية الوطنية. وتساءلت بشكل صريح عن غياب تدابير عملية لضمان استفادة المستهلك من انخفاض أسعار المواشي، في مقابل "أرباح خيالية" يحققها بعض المتدخلين في السوق دون وجه حق.
أي سياسة فلاحية؟
وتعتبر أزمة الماشية الراهنة تجليا لمحدودية السياسات العمومية في تنظيم السوق الفلاحية وضمان العدالة بين مختلف حلقاتها.
وبسبب غياب منظومة رقابة فعالة، إلى جانب هشاشة سلاسل التوزيع، في منح المضاربين فرصة ذهبية للتحكم في السوق والتلاعب بالأسعار.
وحتى لا تتحول هذه الأزمة إلى نزيف دائم يهدد السيادة الغذائية للمغرب، يظل من الضروري بلورة رؤية وطنية متكاملة تقوم على تشديد الرقابة على أسواق اللحوم وتربية المواشي، ودعم مباشر للفلاحين الصغار والمتوسطين، وإعادة تنظيم سلاسل القيمة لضمان توزيع عادل للأرباح، وتفعيل آليات استباقية لحماية القطيع الوطني من عوامل الاستنزاف سواء كانت طبيعية أو بشرية.