جدل الدعم يتصاعد.. هل منعت الإجراءات الحكومية وصول أسعار اللحوم إلى 300 درهم؟

في ظل سياق اقتصادي واجتماعي متقلب، يشهد المغرب هذه الأيام واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الساحة الوطنية، بعدما تحوّل ملف دعم استيراد الأغنام واللحوم الحمراء من إجراء اقتصادي ظرفي إلى كرة لهب تتدحرج وسط نقاش عام محتدم.
وبدأت قضية كحل مؤقت لتخفيف تداعيات الغلاء، لكنها سرعان ما انزلقت إلى مأزق سياسي كشف هشاشة الثقة بين المواطن والحكومة، وأعاد طرح أسئلة محرجة حول جدوى السياسات الاقتصادية المعتمدة.
منذ أن بادرت الحكومة إلى استيراد الأغنام واللحوم من الخارج، في محاولة للحد من الارتفاع الجنوني في الأسعار، ظل المواطن ينتظر بصيص انفراج في سوق استهلاكي يزداد التهابًا.
لكن ما حدث، في المقابل، هو تفاقم الأزمة وظهور تناقضات صادمة في التصريحات الرسمية، أفرزت حالة من الشك العام في مدى صدقية الأرقام المقدمة، بل وفي نجاعة الحلول نفسها.
ومازالت الأسواق المغربية تعاني تحت وطأة أسعار اللحوم الحمراء، التي تجاوزت السقف المقبول لتتحول إلى عبء يومي على الأسر.
فبينما تراوح أسعار الجملة بين 80 و90 درهمًا للكيلوغرام، تصل في بعض المدن الكبرى إلى حدود 120 درهمًا عند البيع بالتجزئة، وهو رقم يصعب تقبله في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وتدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين.
في مواجهة هذا الوضع، لجأت الحكومة إلى إجراءات وُصفت بـ"الاستثنائية"، من بينها تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، إلى جانب فتح الباب أمام الاستيراد من دول مثل البرازيل وإسبانيا.
وخلال لقاء مع فريقي التجمع الوطني للأحرار بالبرلمان، أمس الأربعاء، سعى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إلى طمأنة الرأي العام عبر تأكيده أن هذه التدابير حالت دون وصول أسعار اللحوم إلى مستويات فلكية كانت ستتراوح، حسب تقديره، بين 250 و300 درهم للكيلوغرام.
لكن الطمأنة الرسمية لم تكن كافية لإخماد نار الجدل. فالتشكيك في فاعلية الإجراءات ظل حاضرًا بقوة، وزادت حدة المطالب بالكشف عن التفاصيل الدقيقة للصفقات وأوجه صرف الدعم العمومي.
ولعل التحول الأبرز في هذا الملف، جاء بإعلان رئيس الحكومة نفسه دعمه لمطلب تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، وهي خطوة نادرة تعكس حجم الضغط السياسي والشعبي الذي بات يطوق الحكومة.
اللافت أن تأييد أخنوش لتشكيل اللجنة جاء بعد ساعات قليلة فقط من تقديم فرق الأغلبية لطلب تنظيم مهمة استطلاعية في نفس الموضوع، ما يُفهم على أنه محاولة لاحتواء الغضب وفتح الباب أمام تحقيق برلماني من داخل المؤسسات، قبل أن ينفلت النقاش إلى ساحات التأويل والتصعيد الإعلامي.
وأكد رئيس الحكومة، خلال أشغال الجلسة، أن الإجراءات الحكومية جاءت في إطار رؤية استراتيجية لدعم الفلاحة، وإعادة تشكيل القطيع الوطني الذي تضرر من سبع سنوات متتالية من الجفاف، مشيراً إلى أنه “تم تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة المرتبطة باستيراد الأغنام، بل وتم تعزيز هذه الإجراءات بمساطر إضافية بهدف زيادة العرض في السوق".