600 ألف سرير مفقود وحالات تسمم غذائي.. الأحياء الجامعية في مرمى الانتقادات البرلمانية

الكاتب : انس شريد

15 أبريل 2025 - 06:30
الخط :

في قلب النقاش الوطني المتجدد حول جودة الحياة الجامعية في المغرب، أطلقت جلسة مناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة بمجلس النواب شرارة جدل واسع حول أوضاع الأحياء الجامعية، حيث تقاطعت الانتقادات الحادة مع دفاع رسمي محتشم، فيما بدا مشهداً يعكس أزمة ممتدة في قطاع يؤثر بشكل مباشر على تحصيل مئات الآلاف من الطلبة ومستقبلهم الأكاديمي.

واتهم نواب الأمة الجهات الوصية بـ"العشوائية، التخبط، والمحسوبية"، محذرين من أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه قد يعمّق ظاهرة الهدر الجامعي ويقوض تكافؤ الفرص في التعليم.

وتحول تقرير المهمة الاستطلاعية، الذي كان من المفترض أن يكون أداة لتشخيص الواقع واقتراح الحلول، إلى مرآة تعكس صورة قاتمة عن الحياة في الأحياء الجامعية، حيث يعاني الطلبة، وفق ما جاء في التقرير، من سوء جودة الإطعام، ضعف الخدمات الصحية، انعدام الشعور بالأمن، وتدهور البنية التحتية.

ولم تتردد النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار كليلة بونعيلات، تحميل المسؤولية للحكومات المتعاقبة، ووصفت ما يحدث بأنه "نتاج سنوات من الإهمال والتقاعس".

مشددة على أن الطالب يواجه أولى معاناته منذ لحظة تسجيله بالجامعة بسبب صعوبة الحصول على سكن جامعي لائق، حيث تهيمن "المحسوبية والقرابة" على لوائح المستفيدين، ما يحرم الفئات المستحقة من حقها المشروع في الإيواء.

الأحياء الجامعية، بحسب بونعيلات، لم تعد مجرد مؤسسات إيواء بل صارت في بعض الحالات "مرتعاً للإثراء غير المشروع" تُنسج داخلها مصالح ضيقة على حساب الطالب البسيط القادم من قرى وبوادي المغرب الحالم بمستقبل أفضل.

وهو ما أكد عليه أيضاً النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة عماد الدين الريفي، الذي اعتبر أن تقارير التقصير لا تخرج من فراغ، بل تعكس واقعاً مريراً لطالما تجاهلته الدولة، حيث يتفاقم العجز في الأسرة الجامعية ليبلغ ما يناهز 600 ألف سرير، ويُترك آلاف الطلبة عرضة لتجارب إسكان غير قانونية تفتقر لأدنى شروط الكرامة.

وفي مشهد تتكرر فيه الوقائع المؤلمة، ذكّر الريفي بحادثة حريق الحي الجامعي بوجدة، التي راح ضحيتها طلبة شباب كان يفترض أن يكونوا في فضاء آمن للدراسة لا في مبنى يهدد حياتهم.

كما شدد على أن الأحياء الجامعية، في معظمها، تفتقر إلى المرافق التربوية والرياضية والصحية الأساسية، ما يجعلها عبئاً على الطلبة بدلاً من أن تكون داعماً لمسارهم العلمي. الأمر لا يقف عند البنية فقط، بل يمتد إلى غياب الأمن الغذائي، مع تسجيل حالات تسمم نتيجة لسوء التغذية، وهو ما يضع صفقات الإطعام تحت مجهر الشكوك والاتهامات بالزبونية وسوء التدبير.

الوزير عز الدين ميداوي، في رده على هذه الاتهامات، بدا مستغرباً من حجم التوصيفات التي اعتبرها "مبالغاً فيها" وطالب بتقديم أدلة ملموسة لدعم الادعاءات حول وجود محسوبية في السكن أو خروقات في صفقات الإطعام.

مؤكدا على أن وزارته تعتمد نظاماً معلوماتياً شفافاً مبنيًا على التنقيط وتستقبل الشكايات بشكل رسمي، مشيراً إلى أن الأبواب مفتوحة لأي تحقيق أو لجنة تقصي حقائق، ما إن توفرت معطيات دقيقة تستوجب ذلك.

وأبدى وزير التعليم العالي انزعاجه الشديد من الطعن في نزاهة مؤسسات الدولة، مشدداً على أن وزارته تتحمل مسؤولياتها وتحرص على تحديث الأحياء الجامعية وتحسين معايير الاستفادة.

غير أن هذه التبريرات لم تقنع الجميع، فقد استمرت أصوات النواب في تحميل المسؤولية للسياسات العمومية التي فشلت، حسب قولهم، في إرساء عدالة مجالية فعلية في توزيع المؤسسات الجامعية، حيث يُسجل تركّز غير متوازن للكليات مقابل ضعف في البنيات الإيوائية، ما يؤدي إلى تفاقم الإقصاء والضغط في مدن جامعية كفاس والمحمدية.

وجددت بونعيلات انتقاداتها لسياسة تدبير الأحياء الجامعية، مؤكدة المحمدية ثماني مؤسسات جامعية لخمسين ألف طالب دون أن تتوفر على حي جامعي واحد، في حين تعاني فاس من اكتظاظ خانق رغم وجود أربعة أحياء جامعية.

في المقابل، حاول النائب العياشي الفرفار أن يقدم رؤية مغايرة، معتبرًا أن التقرير الاستطلاعي كان متوازناً وواقعياً، وإن كان لا يخلو من صعوبات، لا سيما بعد رفض بعض الطلبة استقبال اللجنة البرلمانية داخل الحي الجامعي بوجدة.

وأكد أن الاختلالات يجب أن تدفع إلى تحسين الوضع لا تبخيس المؤسسات الرقابية، مشيداً بمهنية اللجنة ومشيراً إلى أن الأزمة الحقيقية ليست فقط

بين الانتقاد والدفاع، يتضح أن ملف الأحياء الجامعية يطرح إشكالاً بنيوياً عميقاً يتطلب من صانع القرار أكثر من مجرد ردود فعل ظرفية، بل سياسة عمومية شاملة ترتكز على توسيع الطاقة الاستيعابية، وتجويد الخدمات، وضمان الشفافية في التدبير، وتفعيل رقابة صارمة على صفقات الإطعام والصيانة.

آخر الأخبار