هل تحولت منازعات الدولة إلى معضلة تهدد المشاريع الكبرى؟

في خطوة تعكس إدراكاً متزايداً لخطورة النزاعات القضائية على التوازنات المالية والمشاريع التنموية، أطلقت الحكومة المغربية صفارة الإنذار بشأن الارتفاع المهول في عدد القضايا التي تواجهها الدولة سنوياً، والتي باتت تُكلف خزينة البلاد مليارات الدراهم.
في سابقة تعكس حجم التعقيد الذي بات يطبع علاقة الدولة بالنزاعات القضائية، كشف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن كلفة منازعات الدولة بلغت خلال عام 2023 فقط ما مجموعه 5.4 ملايير درهم، في رقم صادم يسلط الضوء على ثغرات كبرى تعتري منظومة تدبير هذه القضايا، ويعيد النقاش حول ضرورة إصلاح عميق، قانونياً وإدارياً، لتفادي استنزاف المال العام وعرقلة مسار التنمية.
لقجع، الذي كان يتحدث من منصة المناظرة الوطنية الأولى حول تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، اعتبر أن هذه المنازعات لم تعد مجرد خلافات قانونية، بل تحولت إلى معضلة حقيقية قد تُوقف مشاريع كبرى بسبب مطالبات مالية وصفها بـ"غير العقلانية"، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى خلق بيئة قانونية مستقرة وشفافة تحفظ حقوق الأفراد دون أن تُفرّط في مصلحة الدولة.
وحذر الوزير من استمرار الفوضى القانونية والمؤسساتية التي تحكم هذا المجال، مشيراً إلى وجود خلل واضح في التنسيق بين الإدارات والوكالة القضائية للمملكة، فضلاً عن النقص في الكفاءات المتخصصة والفراغ المرجعي الذي يترك هامشاً كبيراً للتقديرات غير المنضبطة في الخبرة والتقييم، ما يجعل الدولة في موقع ضعف رغم وجاهة مواقفها في عدد كبير من الملفات.
الأرقام التي كشفها لقجع تعكس أزمة بنيوية، إذ أشار إلى أن أغلب القضايا التي تتورط فيها الدولة تتعلق بنزع الملكية والصفقات العمومية والاستثمار، وهي ملفات ذات حمولة مالية ثقيلة، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لتقوية الدفاع المؤسساتي والوقاية القانونية.
الوزير لم يكتف بالتشخيص، بل قدم سلسلة مقترحات منها التوجه نحو الصلح والتحكيم، وتفعيل آليات الوساطة، مع وضع خارطة طريق استباقية ترصد مكامن المخاطر وتُوحد إجراءات المواجهة داخل الإدارات.
من جانبها، نبهت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، إلى ارتفاع مهول في عدد المنازعات التي تعرفها الإدارات العمومية، والتي تضاعفت تقريباً خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغ عدد القضايا الجديدة سنة 2024 ما يفوق 21 ألف ملف، في حين لا تزال المحاكم الإدارية تُسجل نحو 60 ألف قضية سنوياً، أغلبها لا تصل حتى إلى الوكالة القضائية المعنية بالدفاع عن الدولة.
وسلطت العلوي الضوء على خطورة الوضع الحالي، مؤكدة أن هذا الارتفاع لا يعكس فقط حجم التعقيد الإداري، بل يكشف أيضاً غياب التنسيق واليقظة القانونية داخل المؤسسات، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر مالية ضخمة ويهدد بنسف مشاريع كبرى تمثل رهاناً تنموياً واقتصادياً وطنياً.
وفي مواجهة هذا النزيف، أكدت الوزيرة أنه تم إعداد مخطط استراتيجي للفترة 2024-2028 يتضمن 26 برنامجاً و73 إجراءً تنفيذياً لتوحيد الرؤية بين المتدخلين في تدبير المنازعات، وتحسين أداء الوكالة القضائية للمملكة، وتحويلها إلى مركز للخبرة القانونية، قادر على مرافقة الإدارات في كل مراحل التعاقد واتخاذ القرار.
الوضع الذي عرضته الحكومة لا يدعو فقط إلى الإصلاح بل يفرضه بإلحاح، في ظل ارتفاع منسوب النزاعات، وتعاظم كلفتها، وتزايد الإكراهات التي تعيشها المالية العمومية.