بنكيران: دعم استيراد المواشي وُزّع لشراء الولاء السياسي قبل انتخابات 2026

يعيش المغرب على إيقاع عاصفة سياسية واجتماعية متصاعدة، محورها المعلن هو "دعم استيراد المواشي"، لكن عمقها يكشف عن أزمة ثقة متجددة بين المواطن والحكومة، وعن تساؤلات ثقيلة تُطرح حول آليات الحكامة والشفافية وتوزيع الدعم العمومي، في سياق اقتصادي حساس ومشحون بانتظارات اجتماعية كبيرة.
القضية، التي كان يُفترض أن تكون تقنية ذات طابع ظرفي مرتبطة بتخفيف وطأة غلاء الأضاحي قبيل عيد الأضحى، تحوّلت إلى فضيحة سياسية مصغّرة بسبب التناقض بين أرقام المسؤولين، وتبادل الاتهامات غير المباشر بين شخصيات حكومية بارزة، ما أفرز حالة من الارتباك العام في الرأي العام، وفاقم الإحباط الشعبي الذي بدأ يتغذى من الغموض والارتجال في التعاطي مع ملفات حساسة.
وجاءت الشرارة الأولى من وزير التجهيز والماء نزار بركة، الذي يشغل أيضًا منصب الأمين العام لحزب الاستقلال، حين تحدث في لقاء حزبي عن رقم صادم يتجاوز 13 مليار درهم ككلفة لدعم استيراد الأغنام واللحوم الحمراء.
وأثار الرقم أثار صدمة واسعة، وفتح شهية التساؤل حول مآل هذه الأموال، ومدى تأثيرها الحقيقي على خفض الأسعار في السوق المحلي.
لكن سرعان ما جاء الرد من رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي نفى بشكل قاطع هذه الأرقام، مؤكّدًا أن مجموع الدعم لم يتجاوز 300 مليون درهم. هذا التباين الحاد بين قطبين في الأغلبية الحكومية صبّ الزيت على نار الجدل، وطرح علامات استفهام كبيرة حول تنسيق مكونات الحكومة، وصدقية الخطاب الرسمي.
ولم تُفلح محاولة وزارة الفلاحة في رأب هذا الصدع، حين أصدرت بلاغًا تؤكد فيه أن كلفة الدعم بلغت 437 مليون درهم فقط، موزعة على سنتي 2023 و2024. فبدل أن يطفئ البلاغ لهيب الجدل، ساهم في إذكائه أكثر، بعدما وُصف بأنه "محاولة تقنية لتبييض مشهد سياسي مرتبك"، خصوصًا مع دخول المعارضة البرلمانية على الخط، ومطالبتها بإنشاء لجنة تقصي الحقائق من أجل التحقيق في مآل أموال الدعم وتحديد المستفيدين الحقيقيين منه.
في خضم هذا المناخ المشحون، خرج عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يوم أمس الإثنين، في لقاء حزبي، ليدلي بدلوه في الملف، مؤكدًا في لقاء مع برلمانيي حزبه أن مبلغ 13 مليار درهم "دقيق وصحيح"، بالنظر إلى الإعفاءات الضريبية التي اعتبرها غير دستورية، إضافة إلى مبلغ يقارب 500 مليون درهم تم توزيعه على مستوردي الأضاحي دون أن يُحدث أي تأثير حقيقي في الأسعار، بل زاد من معاناة المواطن البسيط.
وذهب بنكيران أبعد من ذلك، حين اتهم جهات مقربة من الحكومة بالاستفادة من الدعم لتحقيق مكاسب سياسية، قائلاً إن الهدف من هذه المبالغ هو "كسب الولاء السياسي استعدادًا لانتخابات 2026"، مستدلًا بما وصفه بـ"ممارسات مشبوهة" تشمل توزيع المساعدات مقابل بطاقات الهوية الوطنية، ثم التأكد من تصويت المستفيدين لاحقًا.
وهي تصريحات أعادت إلى الواجهة مخاوف قديمة بشأن استعمال المال العام في توجيه إرادة الناخبين، واستغلال فقر المواطنين في لعبة انتخابية لا تنتهي.
في ختام مداخلته، دعا بنكيران أعضاء حزبه إلى الالتفات للشأن العام ومشاكل الناس، بدل الانشغال بقضايا سطحية مثل المصافحة واللحية والحجاب، مشيرًا إلى أن المواطن اليوم بدأ يسترجع ثقته في العدالة والتنمية، لأنه يرى فيه حزبًا لم "يمدّ يده إلى المال العام"، على حدّ تعبيره.