بطالة بلا دعم وتقاعد يهمش النساء.. منظومة الحماية الاجتماعية تحت مجهر النقد

نظم الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، مساء أمس الجمعة بمقر البرلمان، يومًا دراسيًا بشراكة مع المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، تحت عنوان "ورش الحماية الاجتماعية بين الإكراهات والتحديات"، بمشاركة عدد من المسؤولين الحكوميين وممثلي النقابات والمجتمع المدني، إلى جانب خبراء في المجال الاجتماعي.
وقد شكّل اللقاء محطة تقييمية لورش الحماية الاجتماعية، الذي يُعد من الأوراش الملكية الاستراتيجية ذات الطابع الاجتماعي والحقوقي، الرامية إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية وتقوية أركان الدولة الاجتماعية.
وخلال هذا اللقاء، أكد محمد طارق، أستاذ القانون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية – جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن الورش الوطني للحماية الاجتماعية لا يزال بحاجة إلى تقييم نقدي بنّاء، مشيرًا إلى أن المرصد المغربي للحماية الاجتماعية عمل خلال ثلاث سنوات، ومن خلال لقاءات ترابية متعددة واستمزاج آراء فاعلين مركزيين ونقابيين ومجتمعيين، على تتبع هذا الورش الكبير بوسائل مدنية أولية.
وخلص هذا التتبع إلى جملة من الملاحظات والتحديات التي تستوجب التقويم والتصويب الفوري لضمان نجاعة هذا المشروع الاجتماعي الوطني.
وأوضح الأستاذ طارق، في كلمته خلال الجلسة، أن أولى الملاحظات التي استوقفته تتمثل في غياب الإطار القانوني الشامل والمتكامل للحماية الاجتماعية، لافتًا إلى أن القانون الإطار 21.09 لم يتضمن مقتضيات تتعلق بالتعويض عن البطالة، رغم كونه من الحقوق الاجتماعية الأساسية في المرجعيات الدولية.
واعتبر أن عدم إدراج هذا التعويض يُفقد المشروع بُعده الشمولي، ويحرم شريحة واسعة من المواطنين، تُقدّر بحوالي مليوني شخص وفق أرقام المندوبية السامية للتخطيط، من حقهم في الحماية الاجتماعية أثناء البحث عن العمل.
وسجل المتحدث ذاته أن النظام الوطني للحماية الاجتماعية لا يراعي بشكل كاف مقاربة النوع، مبرزًا أن النساء يظلن الحلقة الأضعف في الاستفادة من آليات الحماية الاجتماعية.
وأفاد بأن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن 32% فقط من النساء مؤمّنات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأن نسبة النساء المستفيدات من التقاعد لا تتجاوز 17%، ما يعكس فجوة جندرية صارخة تستدعي تدخلًا عاجلًا.
وأشار إلى وجود ارتباك واضح على مستوى حكامة وتتبع المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية، لافتًا إلى أن اللجنة الوزارية المكلفة بقيادة هذا الورش اجتمعت مرة واحدة فقط تحت مسماها القانوني خلال ثلاث سنوات.
كما أبرز وجود تعدد في المؤسسات والقطاعات المعنية، وغياب تنسيق مركزي واضح يعكس الرؤية الاستراتيجية الشاملة للتنفيذ، مضيفًا أن إحداث مؤسسات بمراسيم وميزانيات تنفيذية قوية خارج منطق المحاسبة السياسية يُضعف من فعالية الحوكمة.
وانتقد الأستاذ طارق محدودية جاذبية نظام التأمين الإجباري عن المرض، خصوصًا في شقه المتعلق بالمهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء، مشيرًا إلى أن عدد المنخرطين لا يتجاوز 1.7 مليون شخص من أصل 3 ملايين مستهدف، كما أن نسب التحصيل المالي لهذا النظام ظلت دون 27% إلى حدود شتنبر 2023.
ولفت إلى أن فئات مهنية كالفلاحين لم تنخرط سوى بنسبة 5%، والحرفيين بـ11%، وهي مؤشرات مقلقة يجب التعامل معها بجدية.
كما أبرز الأستاذ الجامعي ثلاث فئات لا تشملها المنظومة الحالية للحماية الاجتماعية، وهي: أزيد من مليون شخص من العاملين في القطاعين العام والخاص الخاضعين لتأمينات صحية عبر شركات التأمين الخاصة، فئة الأشخاص غير النشطين، وفئة الطلبة الذين سيتوقف استفادتهم من التأمين عن المرض بناء على طلبهم.
وأشار إلى أن هذه الفئات لا تتوفر عن إجابات واضحة في النصوص القانونية والتنظيمية المعتمدة.
أما بخصوص العرض الصحي، فقد اعتبر الأستاذ طارق أن المنظومة الصحية لا تزال تعاني من اختلالات عميقة تعيق فعالية الحماية الاجتماعية، أبرزها ضعف الميزانية المرصودة لقطاع الصحة، والتي لا تتجاوز 6 إلى 7% من الميزانية العامة، في حين أن المعايير الدولية تدعو إلى تخصيص نسبة 12%.
كما نبه إلى إشكالية النقص الحاد في الموارد البشرية، والأزمات المتكررة المرتبطة بالطلبة والعاملين في القطاع الصحي، والتي تؤثر سلبًا على جودة الخدمات الصحية العمومية.
وختم الأستاذ طارق كلمته بالتأكيد على أن ورش الحماية الاجتماعية، رغم كونه أولوية ملكية ومكسبًا وطنيًا، لا يمكن أن يحقق أهدافه النبيلة دون معالجة ثغراته البنيوية وضمان الانسجام المؤسساتي والتقائيته مع باقي البرامج الاجتماعية الأخرى، معتبراً أن أي تأخر في هذا الإصلاح سيؤثر على أحد أهم أسس العدالة الاجتماعية في المغرب.