في ظل الجدل الحكومي.. الاستقلال يتشبث بكلام بركة: دعم استيراد الأغنام بلغ 13 مليارا

عقد حزب الاستقلال بإقليم تطوان، اليوم السبت، مجلسه الإقليمي الموسع تحت شعار: "تقوية المسار الديمقراطي رهين بتخليق الحياة العامة"، بحضور عدد من قيادات الحزب، على رأسهم عبد الجبار الراشيدي، كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي ورئيس المجلس الوطني للحزب، إلى جانب البرلماني منصف الطوب وفعاليات حزبية محلية ووطنية.
ويأتي انعقاد هذا المجلس في ظل ظرفية سياسية واجتماعية دقيقة، تطغى عليها أجواء النقاش الحاد والجدل المتصاعد حول الدعم العمومي الموجه لاستيراد المواشي، وهي القضية التي فجّرت موجة من التساؤلات في الشارع المغربي، وكشفت عن تباينات واضحة داخل مكونات الأغلبية الحكومية بشأن تدبير هذا الملف الحساس.
وفي خضم هذا السياق، شكّل اللقاء مناسبة أمام عبد الجبار الراشيدي لتجديد التأكيد على موقف حزب الاستقلال، وتوضيح ملابسات الجدل الدائر حول الأرقام المتعلقة بكلفة دعم استيراد الأغنام واللحوم الحمراء.
وقال الراشيدي، في مداخلته، إن المعطيات التي أعلنها الأمين العام للحزب نزار بركة، والمتعلقة بتخصيص أزيد من 13 مليار درهم لهذا الغرض، صحيحة ودقيقة، وتشمل ليس فقط الدعم المباشر للمستوردين، بل أيضاً الإعفاءات الضريبية والجمركية التي منحتها الحكومة لتسهيل العملية.
وشدد الراشيدي على أن هذه الأرقام صادرة عن مؤسسات الدولة نفسها، مشيراً إلى أن بركة "لم يستقِ المعلومات من مصادر جانبية"، بل تحدث انطلاقاً من معطيات حكومية رسمية.
واعتبر أن من حق كل فاعل سياسي أن يقدّم قراءته الخاصة للمعطيات المتوفرة، وفق زاويته وتحليله، مؤكداً في الآن ذاته على ضرورة احترام التعددية في وجهات النظر داخل الحقل السياسي، شريطة أن تكون مبنية على أسس موضوعية.
وأكد المسؤول الحكومي أن هذا النقاش يجب أن يتحول إلى فرصة لمراجعة آليات تدبير الدعم العمومي، وتقييم فعاليته الحقيقية في التخفيف من أعباء المعيشة اليومية للمواطنين، لا سيما في ظل تواصل ارتفاع أسعار اللحوم رغم التدابير الاستثنائية التي أقرتها الحكومة.
ولم يُخفِ الراشيدي أسفه لكون "الجهود الحكومية الكبيرة لم تنعكس بعد بالقدر الكافي على المستوى المعيشي للمواطن"، مضيفاً أن ما جرى يستدعي مراجعة شاملة لقانون الأسعار والمنافسة، بهدف إرساء آليات أكثر عدالة ونجاعة في ضبط السوق الوطنية وضمان التوازن بين العرض والطلب.
وتابع قائلاً: "لا يُعقل أن تبذل الدولة مجهوداً كبيراً دون أن يشعر به المواطن في جيبه، هذا الأمر يتطلب وقفة تقييم شجاعة".
ويأتي هذا التصريح في وقت لا تزال تداعيات التصريحات السابقة لنزار بركة تثير تفاعلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية، خصوصاً بعدما خرج راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، لينفي صحة تلك الأرقام، ويؤكد أن الكلفة الحقيقية للدعم لم تتجاوز 300 مليون درهم، ما عزز من حدة الجدل حول انسجام مكونات التحالف الحكومي.
في خضم هذا الجدل، حاولت وزارة الفلاحة لعب دور "الحكم" عبر بيان رسمي قالت فيه إن كلفة الدعم بلغت 437 مليون درهم موزعة على سنتي 2023 و2024، لكن ذلك لم يُنهِ الجدل، بل زاد من حالة الارتباك العام، وهو ما دفع المعارضة البرلمانية بالمطالبة بإنشاء لجنة تقصي الحقائق.
وتُعتبر هذه التباينات في المواقف بين قيادات أحزاب الأغلبية مؤشراً على وجود خلافات في مقاربة الملفات الاجتماعية والاقتصادية ذات الحساسية الكبرى، مما قد يؤثر على صورة التنسيق السياسي بين الشركاء داخل الحكومة، خصوصاً في ظل ازدياد الضغط الشعبي من أجل تحقيق نتائج ملموسة على مستوى الأسعار وتحسين القدرة الشرائية.
وفي الوقت الذي تطالب فيه المعارضة بفتح لجنة لتقصي الحقائق بشأن هذا الملف، يرى مراقبون أن المرحلة الراهنة تفرض على الفاعلين السياسيين التحلي بأقصى درجات المسؤولية والوضوح، والابتعاد عن التصريحات المتضاربة التي لا تزيد إلا من تعميق فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسات.
ويأتي انعقاد المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بتطوان في هذا السياق المتوتر، ليؤكد على تمسك الحزب بدوره كقوة سياسية مساهمة في النقاش العمومي، داعية إلى تخليق الحياة العامة وتكريس آليات الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام، بما يخدم المسار الديمقراطي الذي اختاره المغرب خياراً استراتيجياً لا رجعة فيه.