شبهات التلاعب تلاحق لوائح الشعير المدعم وتُعيد الجدل حول فعالية برامج الدعم

يتواصل في المغرب الجدل الدائر بشأن برامج الدعم العمومي، بعدما تفجرت خلال الأيام الأخيرة قضية جديدة تتعلق بوجود اختلالات مفترضة في عملية توزيع الشعير المدعم، الذي يُخصص لصغار الفلاحين ومربي الماشية في سياق الجهود الحكومية الرامية إلى التخفيف من آثار الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف.
وبرزت القضية إلى الواجهة من خلال سؤال كتابي وجهه رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي، إلى وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، يطلب فيه توضيحات حول ما وصفه بـ"شبهات التلاعب والتزوير" التي شابت لوائح المستفيدين من هذا الدعم الحيوي، وما إذا كانت الوزارة قد باشرت تحقيقًا رسميًا لكشف ملابسات هذه الممارسات.
وأشار السنتيسي في معرض سؤاله، إلى أن العديد من المنابر الإعلامية الوطنية نشرت شهادات وتقارير تشير إلى وجود خروقات تتعلق بإدراج أسماء لا تستوفي الشروط القانونية ضمن لوائح المستفيدين، بل وصل الأمر، بحسب ما تم تداوله، إلى إدراج مواطنين دون علمهم، مما تسبب في مشاكل لاحقة، بينها توصلهم بإشعارات أداء من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو حرمانهم من الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي المباشر، نتيجة تضخيم مؤشرهم الاجتماعي استنادًا إلى معطيات غير دقيقة.
وطالب السنتيسي، من الوزارة الوصية بتوضيح حقيقة هذه المعطيات، متسائلاً عما إذا تم فتح تحقيق رسمي بشأن التلاعبات التي تم تداولها، وما إذا كانت الوزارة قد لمست أثراً فعلياً لهذا الدعم على أوضاع الفلاحين ومربي الماشية الصغار.
كما دعا ذات المسؤول الحزبي إلى توضيح آليات المراقبة التي يتم اعتمادها لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، خاصة أن الأكياس المدعمة تكون محددة السعر وممنوع بيعها، مما يطرح علامات استفهام حول مدى احترام هذه الإجراءات على أرض الواقع.
واختتم رئيس الفريق الحركي تساؤله بالتأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، في حال ثبوت هذه التجاوزات، بهدف وضع حد للتلاعبات وضمان نزاهة وفعالية برامج الدعم الموجهة إلى الفلاحين.
وتطرح هذه الوقائع المفترضة إشكالات جدية حول نجاعة آليات المراقبة المعتمدة، وفعالية مساطر الاستهداف الاجتماعي التي تُبنى عليها سياسة الدعم، لا سيما في ظل ما يُوصف بغياب الشفافية في بعض المناطق، وتضارب المعطيات المتداولة بشأن توزيع الأكياس المدعمة، التي يُمنع قانونيًا بيعها أو الاتجار بها.
ويأتي هذا الجدل الجديد ليزيد من حدة الضغط على وزارة الفلاحة، التي وجدت نفسها منذ أسابيع في قلب نقاش محتدم حول الدعم الحكومي الموجه لاستيراد الأغنام واللحوم الحمراء، بعد تضارب التصريحات الرسمية بشأن الغلاف المالي المخصص للعملية، بين أرقام قدمها وزير التجهيز والماء، نزار بركة، والتي تجاوزت 13 مليار درهم، وأخرى قدمها رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، والتي لم تتعد 300 مليون درهم. قبل أن تُصدر وزارة الفلاحة بيانًا رسميًا قالت فيه إن الكلفة الحقيقية بلغت 437 مليون درهم موزعة على سنتي 2023 و2024.
هذا التضارب في المعطيات زاد من منسوب الشك لدى الرأي العام، وأثار تساؤلات عدة حول دقة الأرقام الحكومية، وحول مدى قدرة المؤسسات على إنفاذ برامج الدعم بكفاءة وشفافية، بعيدًا عن أي استغلال سياسي أو تلاعب إداري.
كما دفع بعدد من الفرق البرلمانية إلى المطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق، بغرض الوقوف على مجريات هذه العمليات، وتحديد مكامن الخلل ومساءلة الجهات المعنية.
وتخشى عدة أطراف من أن يؤثر استمرار مثل هذه القضايا سلبًا على ثقة المواطنين في برامج الدولة، خاصة في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، واستمرار تأثيرات التغير المناخي، التي عمّقت أزمة الفلاحين ومربي الماشية، وزادت من أهمية برامج الدعم باعتبارها إحدى الأدوات القليلة المتبقية لتثبيت التوازن في العالم القروي.
ويرى مهتمون بالقطاع أن الأمر يتطلب مراجعة شاملة لمنظومة الدعم، ليس فقط من حيث الاستهداف، بل أيضًا من حيث الرقابة والمساءلة والشفافية، لضمان أن تصل المساعدات إلى من يستحقها فعلًا، دون وساطة أو محسوبية أو استغلال للوائح اسمية لا تعكس الواقع.
وبينما تنتظر الأوساط البرلمانية تفاعل وزارة الفلاحة مع الأسئلة المطروحة، يبقى الشارع المغربي مترقبًا لما ستكشفه التحقيقات المقبلة، في حال تم فتحها رسميًا، باعتبار أن الحسم في هذه الملفات لم يعد مطلبًا سياسيًا فقط، بل بات ضرورة لحماية المال العام وترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن، في مرحلة دقيقة تتطلب من الجميع أعلى درجات المسؤولية واليقظة.