بينها العزوف عن الزواج.. هل تتجه الحكومة إلى إرساء سياسة أسرية متكاملة؟

في وقت تتسارع فيه التحولات الديمغرافية والاجتماعية، أصبح عزوف الشباب المغربي عن الزواج من القضايا التي تثير قلق الفاعلين الاجتماعيين وصنّاع القرار على حد سواء.
التأخر في تكوين الأسر، وارتفاع معدل العزوبية، وتراجع الولادات، كلها مؤشرات تنذر بتحديات مستقبلية تهدد تماسك النسيج الأسري والاجتماعي، مما دفع الحكومة إلى التحرك لإعداد برنامج وطني يواكب المقبلين على الزواج، ويسعى لفهم ومعالجة الأسباب العميقة وراء هذا التراجع اللافت.
في هذا السياق، خصصت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب اجتماعها المنعقد صباح الثلاثاء 22 أبريل 2025، لمناقشة "الانعكاسات المحتملة لنتائج الإحصاء على الأسرة المغربية وتداعياتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي"، وذلك بطلب من المجموعة النيابية للعدالة والتنمية.
وقد شهد الاجتماع حضور وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بن يحيى، وعدد من النواب البرلمانيين الذين انخرطوا في نقاش معمق حول التحديات التي تواجه الأسرة المغربية اليوم.
وكشفت الوزيرة خلال عرضها أن وزارتها بصدد إعداد خطة وطنية موجهة للشباب المقبلين على الزواج، في ظل معطيات مثيرة للقلق وردت في نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، والتي أظهرت انقلاباً في هرم السكان بالمغرب، مع توسع دائرة المسنين مقابل تقلص فئة الشباب.
وأوضحت أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية، من قبيل تأخر ولوج سوق الشغل، وتزايد تكاليف المعيشة، وضعف الاستقلالية المالية للشباب، تمثل أسباباً رئيسية وراء عزوف فئات واسعة من الشباب عن الزواج، مشيرة إلى أن غياب سياسة وطنية موجهة للأسرة يعمّق من تفاقم هذه الظاهرة.
وشددت المسؤولة الحكومية على أن الأسرة ليست مجرد إطار تربوي، بل تمثل نواة المجتمع المغربي ومصدر تماسكه، وهو ما يتطلب تدخلًا هيكليًا يدمج البعد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
وأكدت أن الوزارة تعمل على تصور شمولي لسياسة أسرية متكاملة، تستند إلى دراسات ميدانية أُنجزت في خمس جهات من المملكة، وعبر لقاءات تشاورية ساهمت في بلورة أولويات دقيقة لكل جهة.
وقد أظهرت نتائج الإحصاء أن عدد الأسر بالمغرب ارتفع إلى 9,275,038 أسرة سنة 2024، مقابل 7,313,806 أسر سنة 2014، بمعدل نمو سنوي بلغ 2.4%. في المقابل، شهدت بنية الأسرة المغربية تغيرات واضحة، إذ ارتفعت نسبة الأسر الصغيرة بشكل كبير: 11.1% من الأسر تتكون من فرد واحد فقط، و31.7% من شخصين إلى ثلاثة أفراد، فيما تراجعت نسبة الأسر الكبيرة إلى 57.2%.
وحذرت الوزيرة من أن هذه التحولات تُلقي بظلالها على النمو الاقتصادي، بسبب تقلص الفئة النشيطة وارتفاع الأعباء المرتبطة برعاية المسنين وفاقدي الاستقلالية، ما يفرض على الدولة التفكير في حلول مبتكرة لتعزيز الحماية الاجتماعية، والتغطية الصحية، والتقاعد.
كما تحدثت عن التحديات التي تواجه الأسر في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب والنساء، وتأخر سن الزواج، وبقاء الشباب لفترات أطول داخل بيت الأسرة دون استقلال اقتصادي، مما يزيد العبء المالي ويؤخر بناء أسر جديدة.
وفي ختام الجلسة، شدد النواب المشاركون في النقاش على ضرورة الإسراع في تفعيل برنامج وطني يربط بين دعم المقبلين على الزواج، والسياسات العمومية الموجهة لتيسير سبل العيش والعمل، مؤكدين أن الاستثمار في استقرار الأسرة يعني الاستثمار في مستقبل البلاد.