500 درهم عن كل طفل ورفض تعديل التقاعد.. هذه أبرز مطالب النقابات على طاولة أخنوش

في خضم سياق اجتماعي واقتصادي متأزم، عاد الحوار الاجتماعي في المغرب إلى الواجهة، مع انطلاق جولة جديدة قادها رئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم أمس الثلاثاء 22 أبريل 2025 بمقر رئاسة الحكومة.
هذه الجولة التي تزامنت مع اقتراب عيد العمال، جاءت في ظرفية دقيقة، يتسم فيها الوضع الاقتصادي بارتفاع مهول في الأسعار وتدهور مستمر للقدرة الشرائية للطبقة العاملة، ما دفع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية إلى رفع سقف المطالب وإعادة التأكيد على ثوابتها الاجتماعية.
اللقاءات التي جمعت رئيس الحكومة بوفود نقابية رفيعة وممثلين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، لم تكن مجرد مناسبة لتجديد اللقاء، بل شكلت منصة للترافع حول قضايا تهم مستقبل الشغل وكرامة الأجراء، وسط مخاوف متزايدة من تراجع مكتسبات اجتماعية دافعت عنها النقابات لعقود. وعلى رأس هذه القضايا، تصدرت ملفات الأجور، التقاعد، الحريات النقابية، وملفات فئوية عالقة لم تعرف طريقها إلى الحل منذ سنوات.
وحمل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بزعامة النعم ميارة، معه أجندة مثقلة بالمطالب، أبرزها الرفع من الدخل لجميع الفئات، بما يشمل القطاعين العام والخاص، والمتقاعدين على حد سواء. كما شدد على ضرورة تفعيل ما تبقى من مقتضيات اتفاقي أبريل 2022 و2024، وفي مقدمتها إخراج الدرجة الجديدة في الوظيفة العمومية إلى حيز التنفيذ.
الاتحاد طالب أيضا بإصلاح شامل مدروس لصناديق التقاعد، دون المساس بمكتسبات الموظفين، مع التأكيد على إدراج تعديلات مدونة الشغل ضمن مقاربة تقوم على التفاوض الجماعي.
ولم تقف مقترحات الاتحاد عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل إدراج قضايا فئوية ظلت لسنوات في طي النسيان، كالنظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية، والتعليم العالي، ومستخدمي الوكالات الحضرية، وهيئات التفتيش، والفئات المشتركة من مهندسين وتقنيين وإداريين.
هذا التنوع في المطالب يعكس حجم التفاوت والاختلالات التي تعيشها الإدارة المغربية في تدبير الموارد البشرية، بحسب وصف النقابة.
أما الاتحاد المغربي للشغل، فقد عبر بصوت عالٍ عن رفضه المطلق لأي تعديل يمس سن التقاعد، واعتبر أن الاختلالات الحاصلة في صناديق التقاعد تعود بالأساس إلى سوء الحكامة لا إلى الأجراء.
وشددت نقابة ميلودي موخاريق على رفض ما وصفه بـ"الثالوث الملعون": الرفع الإجباري لسن التقاعد، رفع واجبات الانخراط، وتخفيض قيمة المعاش، مع اقتراح إحياء اللجنة الوطنية لأنظمة التقاعد كإطار ثلاثي التركيبة لمناقشة هذا الملف الحساس.
من جانبها، طالبت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بإعادة مشروع قانون دمج CNOPS في CNSS إلى طاولة الحوار الاجتماعي، محذرة من تمريره خارج منهجية التفاوض والتوافق.
كما شددت على ضرورة احترام دورية انعقاد جولات الحوار، ورفض أي سيناريو إصلاحي لنظام التقاعد يكون على حساب الأجراء، مطالبة بإعادة الاعتبار لقانون الإضراب داخل مؤسسة الحوار.
الكونفدرالية لم تكتف برفض المقترحات الحكومية، بل دعت أيضًا إلى إقرار زيادات جديدة في الأجور والمعاشات، التي جُمدت منذ سنوات، إضافة إلى احترام الحريات النقابية، ووقف طرد النقابيين، وتسوية وضعية عدد من الملفات الاجتماعية العالقة في القطاعين العام والخاص، من بينها ملف عمال سامير، وملف مربيات التعليم الأولي، وملفات النزاعات الجماعية العالقة في مؤسسات عدة.
أما على صعيد المطالب الاجتماعية العاجلة، فقد تم التوافق بين أكثر من نقابة على ضرورة الرفع من التعويضات العائلية لتصل إلى 500 درهم عن كل طفل، في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء المادي عن الأسر العاملة، ومواجهة تحديات التعليم والصحة والتغذية.
كما نادت النقابات بتقنين عمل شركات المناولة، وحماية العمل اللائق من الاستغلال والسمسرة.
رئيس الحكومة، وفق ما أكدته مختلف النقابات، أبدى تفاعلا أوليا مع العديد من المقترحات، متعهدا بعقد لقاءات إضافية قبل فاتح ماي، لتدارس مختلف القضايا العالقة، وعقد اجتماعات قطاعية مع مسؤولي الوزارات المعنية، واللجان التقنية الخاصة بالتقاعد.
كما التزم بتسريع وتيرة التفاوض وإخراج الأنظمة الأساسية الجديدة إلى حيز التنفيذ، في انتظار نتائج الجولة المقبلة من الحوار الاجتماعي.
وبين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان الانتظارات الاجتماعية، يظل الحوار الاجتماعي في المغرب أمام اختبار حقيقي، يقتضي إرادة سياسية واضحة، والتزامًا فعليًا بمأسسة التفاوض، بعيدا عن منطق التسويف و"المقاربة التقنية" الضيقة، لصون السلم الاجتماعي، وتحقيق ما تصبو إليه الطبقة العاملة من عدالة اجتماعية وإنصاف مهني واقتصادي.