جدل قانون المسطرة الجنائية.. المعارضة تطالب بصياغة جديدة ووهبي يهاجم تدخل المؤسسات الدستورية

الكاتب : انس شريد

25 أبريل 2025 - 08:30
الخط :

في خضم دينامية إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، احتضن مجلس النواب، يوم الجمعة 25 أبريل 2025، يوماً دراسياً نوعياً حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، تحت عنوان "ترصيد المكتسبات وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة".

اللقاء، الذي نُظم بمبادرة من الفريقين الاشتراكيين – المعارضة الاتحادية بمجلسي النواب والمستشارين، وبشراكة مع قطاع المحامين الاتحاديين، تحوّل إلى منصة وطنية لتبادل الرؤى حول واقع العدالة الجنائية وآفاق تطويرها، بين عدد من الفاعلين القانونيين والسياسيين، في مشهد يعكس حجم التحديات التي يطرحها المشروع قيد النقاش، وعمق التطلعات المرتبطة بإصلاح شامل وفعلي يلامس جوهر الحقوق والحريات.

وفي هذا الصدد، شدد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، في كلمته على ضرورة استثمار هذه المحطة التشريعية لتجويد النص القانوني، وإغنائه بمقترحات عملية نابعة من الممارسة والخبرة الميدانية، مشيراً إلى أن التعديلات المرتقبة من الفرق البرلمانية في ماي المقبل ينبغي أن تكون في مستوى تطلعات المجتمع وقيم دولة الحق والقانون.

وأكد شهيد أن الأمر لا يتعلق فقط بتقنية تشريعية، بل برهان ديمقراطي يُقاس بمدى وفاء القانون لمبادئ الإنصاف والمساواة وضمانات الدفاع.

من جهته، أبرز يوسف ايذي، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، أن هذا اليوم يأتي امتداداً لتقليد اتخذته المعارضة الاتحادية كنهج عمل قوامه التشاركية والانفتاح على كل الفاعلين.

ولفت إلى أن مشروع القانون يمثل نقطة تحول في مسار العدالة الجنائية، بالنظر لما يتضمنه من مستجدات ترتبط مباشرة بتكريس حقوق الإنسان وتفعيل الالتزامات الدستورية والدولية للمملكة.

لكنه في المقابل لم يخف ملاحظات فريقه حول منهجية التعديل، متسائلاً عن جدوى اعتماد مقاربة التتميم والنسخ بدل صياغة قانون جديد، خاصة في ظل الرهان على ملاءمة التشريع الوطني مع التطورات الحقوقية والمعايير الدولية.

نقطة التحول في هذا النقاش المفتوح جاءت من وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي اختار خطاباً صريحاً وغير تقليدي، معبّراً عن تحفظه إزاء الآراء الصادرة عن مؤسسات دستورية من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، والتي انتقدت مضامين المشروع، خصوصاً ما يتعلق بالمادة 3 المرتبطة بجرائم المال العام.

الوزير طرح سؤالاً مؤسسياً حول حدود تدخل هذه الهيئات في النقاش التشريعي، معتبراً أن البرلمان يظل الجهة الوحيدة المخولة بصياغة النصوص القانونية وتفسير نوايا المشرع.

ولم يخلُ خطاب الوزير من لهجة حادة حين انتقد "الاجتهاد القضائي" واعتبره أحد أكبر التحديات أمام الديمقراطية وحقوق الإنسان، معبّراً عن خشيته من أن يتحول النص القانوني إلى أداة مرنة تُطوع حسب التأويل، بدل أن يكون مرجعاً ضابطاً واضح الحدود.

وذهب إلى أن النصوص القانونية يجب أن تُصاغ بدقة، بعيداً عن التعميم، حتى لا تفتح المجال لاجتهادات فضفاضة قد تُفرغ الضمانات الدستورية من مضمونها.

وفي تعليقه على مشروع القانون، أشار وهبي إلى تعقيد البنية النصية للمسطرة الجنائية، موضحاً أن الترابط الوثيق بين الفصول يُحتم التعامل مع القانون ككل متماسك، لا بشكل انتقائي.

واعتبر أن فلسفة النص يجب أن تُفهم ضمن سياق ديمقراطي ومجتمعي عام، لا فقط من زاوية قانونية ضيقة أو نخبوية، مثيراً بذلك نقاشاً أعمق حول طبيعة التشريع وجدلية العلاقة بين النص والواقع.

في خضم هذا التفاعل، برزت أصوات تدعو إلى إعمال الحذر في التعامل مع مشروع القانون، حيث نوّهت بعض المداخلات بمكاسب المشروع، لاسيما ما يتعلق بإعادة النظر في الحراسة النظرية، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، ووضع آليات وقائية من التعذيب، في حين حذّرت أخرى من غموض بعض المقتضيات وتناقضها المحتمل مع مبادئ المحاكمة العادلة واستقلالية القضاء.

اليوم الدراسي لم يُنتج فقط نقاشاً غنياً حول مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية، بل حمل بين سطوره رسائل قوية حول موقع العدالة الجنائية في المشروع المجتمعي المغربي.

وسط هذا الجدل، يظل الرهان الأكبر معلقاً على ما ستقدمه النقاشات البرلمانية المقبلة من تعديلات جوهرية، قد تجعل من هذا المشروع فرصة لإرساء عدالة جنائية عادلة، ناجعة، وذات مصداقية، قادرة على استيعاب تحولات المجتمع والانخراط بفعالية في تكريس دولة الحق والقانون.

آخر الأخبار