تصاعد العنف المدرسي يقلق البرلمان.. وبرادة: لا حلول سحرية لإنهائها سريعا

يشهد الوسط التربوي المغربي منذ فترة تصاعدًا مقلقًا لظاهرة العنف داخل الفضاءات التعليمية، في مشهد بات يهدد استقرار المنظومة التعليمية برمتها ويضع مكانة الأطر التربوية تحت ضغط متزايد.
الاعتداءات التي كانت توصف في الماضي بالمعزولة، تحولت إلى ظاهرة متكررة، تتوالى فصولها في مختلف ربوع المملكة، لترسم صورة قاتمة عن واقع المدرسة العمومية، بعد أن بلغ الأمر حد استخدام الأسلحة البيضاء داخل ساحات ومحيط المؤسسات التعليمية، في تصعيد خطير زرع الخوف والقلق بين صفوف المدرسين والطلبة والأسر، وجعل السلطات التربوية والأمنية أمام اختبار صعب لمواجهة هذا التدهور المستمر.
وأعاد تفاقم هذه الظاهرة المؤلمة إلى الواجهة نقاشًا حادًا بين مختلف المتدخلين التربويين والسياسيين والاجتماعيين حول أسباب العنف المدرسي وسبل مكافحته، وسط دعوات مستعجلة لحماية الأساتذة والمؤطرين التربويين مما وصفوه بـ"الاعتداءات الوحشية".
وعبّر النائب البرلماني محمد اشرورو، في مداخلته بمجلس النواب، عن بالغ أسفه وحزنه جراء حادثتي الوفاة اللتين هزتا الرأي العام الوطني، حين لقيت الأستاذة هاجر العيادر مصرعها نتيجة اعتداء من طرف تلميذ، وكذا وفاة تلميذ بجماعة بني رزين بإقليم شفشاون في واقعة عنف أخرى مروعة.
مناسبة أليمة حملت النائب البرلماني إلى المطالبة بتدابير فورية لتعزيز الأدوار التربوية للمؤسسات التعليمية، ودعم الأندية الثقافية والرياضية بها، والعمل على بناء مقاربة شمولية تشاركية مع الأسر وجمعيات أولياء الأمور والمجتمع المدني، فضلًا عن إبرام شراكات استراتيجية مع الأجهزة الأمنية لضمان محيط مدرسي آمن ومستقر.
في ذات السياق، اعتبر وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، أن ظاهرة العنف المدرسي لها ارتباط وثيق بالمشاكل النفسية التي يعاني منها عدد من التلاميذ، خاصة أولئك الذين يواجهون صعوبات في التحصيل الدراسي أو يعيشون أزمات اجتماعية وأسرية معقدة.
الوزير الذي تقدم بتعازيه الحارة لأسر الضحايا خلال جلسة الأسئلة الشفوية، أقر بارتفاع منسوب العنف داخل المؤسسات التعليمية، معربًا عن قلقه العميق إزاء هذه الظاهرة التي باتت تهدد أسس العملية التربوية وتقوض أدوار المدرسة كفضاء للتنشئة السليمة.
وأكد المسؤول الحكومي أن التلميذ الذي يعاني الفشل أو الإقصاء غالبًا ما يتحول إلى مصدر للعنف داخل القسم، داعيًا إلى تحسين جودة التعليم، والرفع من مستوى العناية النفسية بالتلاميذ، وإنشاء مدارس دامجة قادرة على استيعاب التلاميذ الذين يظهرون علامات الضعف أو الانقطاع الدراسي.
وأبرز الوزير أن الوزارة ماضية في خطة لتعزيز الدعم النفسي والتربوي، مع تطوير برامج لمواكبة التلاميذ نفسيًا وبيداغوجيًا، بما يسهم في تقليص الهدر الدراسي والحد من الانحراف السلوكي.
وخلال عرضه أمام النواب، أوضح برادة أن معالجة العنف المدرسي ليست مهمة آنية يمكن أن تحسم في غضون شهور قليلة، بل إنها معركة طويلة النفس تتطلب استراتيجية متماسكة ومستدامة.
وأضاف أن الحكومة لا تدخر جهدًا في سبيل تقليص نسب العنف والهدر المدرسي معًا، ملاحظًا أن العلاقة بين الظاهرتين عضوية ومعقدة، حيث أن التلميذ المتعثر دراسيًا غالبًا ما يقع في براثن الإحباط والمشاكل النفسية التي تتحول لاحقًا إلى عنف لفظي أو جسدي تجاه زملائه أو أطره التربوية.
وأشار الوزير إلى أن تجربة إعداديات الريادة، التي تم من خلالها إدماج أنشطة موازية تشمل الرياضة والفنون والموسيقى والسينما، أثبتت فعاليتها في تخفيض معدلات العنف داخل المؤسسات، مما شجع الوزارة على تعميم هذا النموذج تدريجيًا عبر باقي ربوع المملكة.
كما كشف الوزير عن وجود خلايا لتتبع حالات الهدر المدرسي والقيام بمواكبة فردية للتلاميذ المعنيين، مشددًا على أن الضغط النفسي يمثل عاملًا رئيسيًا في تفشي العنف والهدر المدرسي، وهو ما يستدعي معالجة منهجية لمسبباته عبر الدعم التربوي والاستعانة بأطباء نفسيين لمرافقة الحالات الحرجة.
وفي إطار تعزيز آليات المراقبة، أشار الوزير إلى إدخال كاميرات المراقبة في العديد من المؤسسات التعليمية، مع توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة السلوكيات ورصد المؤشرات الأولية للعنف بشكل استباقي، مؤكدًا أن هذه الإجراءات تتيح التدخل السريع والتفاعل مع الأحداث قبل تفاقمها.
كما نوّه برادة بالدور المهم الذي يضطلع به رجال الأمن الوطني والدرك الملكي في تأمين محيط المؤسسات التعليمية وإبعاد المنحرفين عنها، مشيرًا إلى تكوين آلاف الأطر التربوية في مجال الوساطة والإنصات، في إطار شراكات مع جمعيات المجتمع المدني.
وختم الوزير مداخلته بالتأكيد على أن العنف المدرسي هو انعكاس واضح لوضعية اجتماعية متأزمة، وأن المدرسة ليست سوى مرآة للمجتمع، معتبرًا أن أي اعتداء على مدرس أو مؤسسة تربوية هو مساس خطير بقيم المجتمع ككل، مما يستوجب حمايتهم بكل الوسائل القانونية والتربوية الممكنة.