المعارضة تُصعّد ضد الجمع بين المناصب.. ومقترحات لتقنين حالات التنافي على طاولة البرلمان

في أجواء مشحونة بنقاش سياسي وقانوني حاد، شهدت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، يوم أمس الثلاثاء، نقاشاً ساخناً بين مكونات الأغلبية والمعارضة، وذلك خلال دراسة مجموعة من مقترحات القوانين التنظيمية المتعلقة بتوسيع حالات التنافي بين عضوية الحكومة ومهام المسؤوليات المنتخبة على المستوى الترابي.
فقد بادرت فرق المعارضة، في خطوة تحمل طابعاً إصلاحياً ومساءلةً سياسية، إلى تقديم عدد من المقترحات الرامية إلى تعديل مواد القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، من أبرزها المواد 19 و21 و32، وذلك بهدف الحد من الجمع بين المناصب التنفيذية العليا والمسؤوليات المحلية، وهو ما اعتبرته الحكومة وأغلبيتها البرلمانية طرحاً غير واقعي ولا يتماشى مع السياق المؤسساتي القائم.
وشددت المعارضة، وفي مقدمتها الفريق الحركي والفريق الاشتراكي، على أن التداخل بين المهام الحكومية والمناصب الترابية يفرغ العمل التنفيذي من مضمونه، ويؤثر سلباً على أداء المؤسسات المنتخبة
كما يعكس خللاً في مبدأ التفرغ والنجاعة، حيث عبّر نوابها عن استيائهم مما وصفوه بـ"الغياب الدائم للوزراء الذين يشغلون في نفس الوقت مناصب رؤساء جماعات، دون أن يظهر لهم أثر لا في المجالس التي يترأسونها ولا في الميادين التي يفترض أن يكونوا حاضرين فيها لخدمة المواطنين".
وأكدوا أن هذا الوضع غير المقبول يؤدي إلى ضعف المردودية وتعطيل مصالح المواطنين، مطالبين بحسم قانوني يُنهي هذا النوع من التضارب الوظيفي.
في ذات السياق، أبرز الفريق الاشتراكي أن هناك توجهاً تشريعياً تدريجياً في المغرب نحو تقنين حالات التنافي، وهو ما ينبغي أن يشمل أعضاء الحكومة أيضاً، باعتبار أن المهام الوزارية تتطلب تفرغاً تاماً نظراً لحجم المسؤولية والتحديات المرتبطة بتدبير الشأن العام على المستوى الوطني.
ودعا الفريق إلى إدراج مناصب رؤساء ونواب رؤساء الجماعات الترابية، والمقاطعات، ومجالس مجموعات الجماعات، والغرف المهنية، ضمن قائمة المهام المتنافية مع الوظيفة الحكومية، معتبرين أن هذه الخطوة من شأنها تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات المنتخبة، وضمان احترام مبدأ الفصل بين السلطات وتعزيز الحكامة الجيدة.
وبينما كانت المعارضة تطرح مبرراتها القانونية والسياسية، نبه ممثلو الأغلبية الحكومية عن رفضهم للمقترحات، معتبرين أن تطبيقها غير قابل للتنزيل في المرحلة الراهنة، نظراً لطبيعة البنية السياسية والتمثيلية في البلاد، إلى أن بعض التعديلات المقترحة قد تفتح المجال لإقصاء الكفاءات السياسية التي تجمع بين التأهيل الإداري والتمثيلية الانتخابية.
كما شدد بعض أعضاء الأغلبية على أن الجمع بين المسؤوليات يخضع في الوقت الراهن لرقابة سياسية وأخلاقية، وأن الحل لا يكمن في سن مزيد من حالات التنافي، بل في تفعيل آليات التتبع والمحاسبة.
وخلال هذا الاجتماع، تمت دراسة سلسلة من المقترحات التشريعية التي تقدم بها عدد من الفرق البرلمانية، من بينها مقترح قانون تنظيمي بتغيير وتتميم المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، إلى جانب مقترح ثانٍ يقضي أيضاً بتعديل نفس المادة، مع اختلاف طفيف في الصياغة القانونية.
كما تم طرح مقترح قانون تنظيمي يقضي بتغيير وتتميم المواد 19 و21 و32، في حين تقدم فريق آخر بمقترح يرمي إلى تعديل المادة 32 فقط.
وقد شملت المقترحات أيضاً مشروع قانون تنظيمي يقضي بتغيير وتتميم المواد 19 و21 و22 من نفس القانون التنظيمي، إضافة إلى مقترح لتعديل المواد 31 و33 و35، ومقترح قانون تنظيمي يقضي بتتميم المادة 23، فضلاً عن مقترح قانون تنظيمي بتغيير وتتميم المواد 16 و29 و32 و35.
ورغم تباين المواقف، فإن النقاش البرلماني حول هذه المقترحات يعكس دينامية تشريعية تهدف إلى إعادة النظر في التوازنات المؤسساتية، وإعادة رسم العلاقة بين السلطات التنفيذية والمحلية، بما يخدم مبادئ الديمقراطية والتدبير الرشيد للشأن العام، ويعزز فعالية الأداء الحكومي ويرسّخ ثقة المواطن في من يمثلونه على مختلف المستويات.