البنايات العريقة والمهجورة تفضح هشاشة التدبير العمراني لجماعة الدار البيضاء

الكاتب : انس شريد

30 أبريل 2025 - 10:30
الخط :

في قلب الدار البيضاء، حيث تتجاور المعالم الحديثة مع ملامح تاريخية آيلة للاندثار، تتفاقم أزمة البنايات العريقة والمهجورة التي باتت تشكل تهديداً متزايداً لسلامة السكان والمارة، وتحولت من رموز معمارية إلى بؤر مقلقة على المستويات الأمنية والاجتماعية والعمرانية.

وتتوزع هذه البنايات في مناطق متفرقة من العاصمة الاقتصادية، أبرزها مقاطعة سيدي بليوط ومرس السلطان ودرب الكبير، حيث تتداخل الصور المؤلمة لتدهور البنية العمرانية مع مظاهر الهشاشة الحضرية.

وباتت عدد من البنايات السكنية على مستوى شارع حسن الصغير ولالة الياقوت والأزقة المتفرعة نموذجاً صارخاً لهذا التدهور.

وتظهر عشرات البنايات الكولونيالية المتداعية، التي تفقد يومياً جزءاً من واجهتها أو شرفاتها، وسط غياب واضح لتدخلات فورية.

ووفقاً لما عاينته الجريدة 24، فإن العديد من هذه البنايات تعاني من تصدعات خطيرة وتعرضت لانهيارات جزئية أسفرت عن خسائر في الممتلكات الخاصة، خاصة المركبات المركونة في محيطها، دون تسجيل إصابات بشرية حتى الآن.

ويعكس التاريخ المعماري لهذه البنايات فترة ازدهار عمراني تميزت بها المدينة في أوائل القرن الماضي، حيث مزجت التصاميم بين الحداثة الأوروبية واللمسة المغربية، من خلال زخارف وزليج وواجهات رخامية.

وتقف اليوم، هذه التحف الفنية على حافة الانهيار، مهجورة أو مأهولة من قبل أسر لم تجد بديلاً سوى التعايش مع الخطر.

ويظهر أن الجهود المبذولة لتسييج بعض هذه المباني أو وضع إشارات تحذيرية حولها، لم تفلح في إزالة التهديد، في وقت تحولت فيه بعض الأسطح إلى فضاءات عشوائية لقصديريات سكنية، أو إلى أوكار للهاربين من القانون.

في جولة ميدانية للجريدة 24، تم رصد العشرات من البنايات المهجورة داخل أحياء المدينة القديمة، ودرب الكبير، وسيدي مومن، ومولاي رشيد، وأخرى مهملة في قلب سيدي بليوط، حيث لا يزال سكان يقطنون داخل شقق مهددة بالانهيار.

وتنتشر في تلك المناطق روائح كريهة، نتيجة تراكم الأزبال، إلى جانب صراعات ليلية بين جانحين يتخذون من الأبنية المهجورة ملاذاً لتعاطي المخدرات والكحول.

ووفق شهادات محلية استقتها الجريدة، فإن سكان حي درب الكبير مثلاً يعيشون تحت ضغط دائم بسبب الفوضى الليلية والتخريب الذي يطول نوافذ مساكنهم.

وتؤكد مصادر من المقاطعة أن عدد المنازل المهددة بالانهيار في الفداء ومرس السلطان فقط يتجاوز 1300 بناية، تسكنها أزيد من 6500 أسرة، ما يعادل ربع ساكنة المنطقة تقريباً.

هذا الوضع ينذر بكارثة إنسانية في حال وقوع انهيارات متزامنة.

وفي ظل هذا السياق، كشفت كنزة الشرايبي، رئيسة مقاطعة سيدي بليوط، في وقت سابق أن جهود الترميم وإعادة تأهيل التراث تسير بشراكة مع شركة "الدار البيضاء للتراث"، مركّزة في مرحلتها الأولى على شارع الأمير مولاي عبد الله وساحة الأمم المتحدة، على أن تشمل المرحلة الثانية شارع محمد الخامس.

في المقابل، تستمر بعض الأوراش، كالمحج الملكي، في التقدم، بعد قامت السلطات منذ أشهر بهدم العشرات من المنازل المتهالكة والعشوائية في المدينة القديمة.

وفي المقابل، وبحسب ما وثقته الجريدة 24، فإن بعض البنايات المهجورة تُستغل في أنشطة غير قانونية، كالسرقة وترويج الممنوعات، وهو ما دفع فعاليات مدنية إلى دق ناقوس الخطر عبر حملات رقمية تطالب بتسريع وثيرة الإفراغ والهدم، وإعادة توجيه هذه المساحات المهملة نحو مرافق اجتماعية وتنموية تخدم الساكنة، خصوصاً في الأحياء التي تعاني من غياب البنيات الثقافية والرياضية.

وتحولت بنايات مهجورة إلى نقاط سوداء أمنياً وصحياً، بينما تطرح هذه الفوضى العمرانية علامات استفهام حول مدى قدرة السلطات على مواجهة هذا التحدي.

ووسط كل هذه المعطيات، تبقى الأسئلة مفتوحة: إلى متى ستظل البنايات المهجورة جزءاً من المشهد اليومي للمواطن البيضاوي؟ وهل تنجح المشاريع القائمة في إنقاذ المدينة من خطر الانهيارات المفاجئة، أم أن الوقت ينفد؟.

آخر الأخبار