ملف إصلاح التقاعد يوحد الصفوف النقابية في عيد الشغل

الكاتب : انس شريد

01 مايو 2025 - 10:00
الخط :

في مشهد اجتماعي يزداد توتراً، يتجدد الجدل بالمغرب حول إصلاح أنظمة التقاعد، التي تحوّلت إلى أحد أبرز ملفات الصراع بين النقابات والحكومة، وسط تحذيرات متنامية من قرب انهيار صناديق التقاعد وفقدانها للقدرة على الاستجابة لالتزاماتها تجاه مئات الآلاف من المتقاعدين والمساهمين.

هذا الملف، الذي ظل لسنوات على طاولة الإصلاح دون حسم، عاد بقوة إلى الواجهة في خضم الاحتفال بعيد الشغل الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، حيث شكّل محورا رئيسيا في كلمات ومطالب المركزيات النقابية.

وجاءت احتفالات فاتح ماي لهذه السنة في ظل سياق اقتصادي واجتماعي بالغ التعقيد، طبعته غلاء المعيشة، وتراجع القدرة الشرائية، وتعثر ملموس في الحوار الاجتماعي، ما دفع النقابات إلى تحويل مناسبة عيد الشغل من لحظة احتفاء إلى منصة للاحتجاج والتعبير عن السخط تجاه سياسات تُوصف بأنها لا ترقى إلى تطلعات الشغيلة المغربية.

ففي قلب مدينة الدار البيضاء، وتحديداً من ساحة درب عمر، نظمت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تجمعاً جماهيرياً حاشداً رفعت خلاله شعارات تطالب بإصلاح عادل وشامل لأنظمة التقاعد، دون المساس بحقوق الموظفين والأجراء.

وخلال كلمته أمام الحشود، شدد نائب الكاتب العام للكونفدرالية، العلمي لهوير، على رفض أي إصلاح يمس بالحقوق المكتسبة للطبقة العاملة، محمّلاً مسؤولية أعطاب النظام الحالي للدولة والقطاع الخاص، اللذين يديران الصناديق وفق منطق يغيب فيه البعد الاجتماعي.

وأكد أن أي مراجعة تشريعية أو هيكلية يجب أن تراعي مبدأ العدالة والإنصاف، لا أن تكون على حساب الفئة التي ساهمت طيلة عقود في استمرارية النظام.

وتكرر المشهد نفسه، في أربع مركزيات نقابية كبرى إلى الشوارع في مسيرات حاشدة، طغى عليها شعار "الحوار الجاد والمثمر"، في تعبير واضح عن نفاد صبر الشغيلة من جلسات الحوار التي لم تفرز، وفق تعبيرهم، إلا الوعود المتكررة والمخرجات المؤجلة.

المشاركون في هذه المسيرات نددوا بما اعتبروه "جموداً حكومياً" في التعاطي مع مطالب حيوية، على رأسها إصلاح التقاعد، ورفع الأجور، وتعديل مدونة الشغل، معتبرين أن لقاء 22 أبريل الأخير لم يحمل أي مؤشرات على تغير في نهج الحكومة أو إرادة سياسية حقيقية لإحداث اختراق في الملفات العالقة، على رأسها التقاعد.

من جهته عبر الاتحاد المغربي للشغل، عن موقفه الثابت الرافض لأي تعديل مقياسي لأنظمة التقاعد، متهماً بعض الصناديق بسوء التدبير وانعدام الشفافية داخل مجالسها الإدارية، كما حذّر من ما أسماه بـ"الثالوث الملعون" الذي يشمل الرفع الإجباري لسن التقاعد، وزيادة الاقتطاعات، وتقليص المعاشات.

واعتبر ميلودي موخاريق في كلمته، أن أي إصلاح يُبنى على هذه الأسس سيكون مرفوضاً جملة وتفصيلاً من طرف الطبقة العاملة.

وفي السياق ذاته، خلد الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب المناسبة تحت شعار يحمل مضامين احتجاجية قوية ضد المساس بالحق في الإضراب وضرب مكتسبات التقاعد.

وشددت القيادة النقابية على أن هذا الشعار ليس مجرّد عنوان مناسباتي، بل يعكس معاناة عميقة لفئة واسعة من المغاربة الذين يشعرون بأن كلفة الإصلاح يتم تحميلها بشكل غير عادل لفئات بعينها، دون محاسبة حقيقية لجهات كانت سبباً مباشراً في الأزمات المالية التي تعرفها هذه الأنظمة.

ومن جهة أخرى، حرصت الحكومة على توجيه رسائل تطمين عبر قياداتها السياسية، إذ أكد نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، اليوم الخميس، أن أي إصلاح للتقاعد لن يتم دون توافق مع الفرقاء الاجتماعيين، مشدداً على أن حقوق الشغيلة ومكتسباتها خط أحمر.

وفي الاتجاه ذاته، كانت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي قد صرّحت بأن الإصلاح المرتقب سيتم بشراكة مع النقابات، وبما يضمن استدامة الصناديق دون الإضرار بمصالح المنخرطين والمتقاعدين.

ورغم هذه التصريحات، فإن الشارع النقابي لا يزال متوجساً، خاصة مع تكرار ما يعتبره "أسلوب التطمين بدل الأفعال"، وغياب جدول زمني واضح لورش الإصلاح.

في ظل هذا الوضع، يبقى مصير إصلاح التقاعد معلقاً على قدرة الحكومة والنقابات على التوصل إلى صيغة تضمن التوازن المالي والاستدامة من جهة، وتحمي الحقوق المكتسبة وتحافظ على الكرامة الاجتماعية للعمال والمتقاعدين من جهة أخرى.

آخر الأخبار