تعثر 35 مشروعا جامعيا مصادقا عليه يضع مصداقية الخريطة الجامعية الوطنية على المحك

في مشهد يعكس عمق الاختلالات التي تعاني منها منظومة التعليم العالي بالمغرب، عاد الجدل ليُثار من جديد حول مصير 35 مشروعًا لإنشاء مؤسسات جامعية، تمت المصادقة عليها بشكل رسمي من قبل مختلف الهيئات المختصة، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع.
هذا الجمود في تنزيل الخريطة الجامعية الوطنية دفع بعدد من الفاعلين السياسيين والنقابيين إلى دق ناقوس الخطر بشأن مستقبل التعليم العالي، وإشكالية العدالة المجالية في الولوج إلى الدراسة الجامعية.
وكانت البرلمانية ربيعة بوجة، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، من أبرز الأصوات التي أثارت هذا الملف من جديد، حيث وجهت سؤالًا كتابيًا إلى رئيس الحكومة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التأخر غير المبرر.
وأشارت إلى أن هذه المشاريع، التي تم اعتمادها وفق مساطر رسمية وصادقت عليها مجالس الجامعات ولجنة تنسيق التعليم العالي، وتم التوقيع بشأنها على اتفاقيات شراكة مع المجالس المنتخبة والجهات، رُصدت لها اعتمادات مالية هامة، ومع ذلك بقيت حبيسة الرفوف في غياب أي رؤية واضحة لتفعيلها.
واعتبرت البرلمانية أن هذا التعثر يمثل إخلالًا بالتزامات الدولة تجاه الحق في التعليم العالي، لاسيما في ظل القانون الإطار رقم 17-51، الذي يشكل الإطار المرجعي لإصلاح منظومة التربية والتكوين، والمبني على الرؤية الاستراتيجية 2015–2030.
وأضافت أن هذا القانون ظل معلقًا من حيث التنزيل العملي، في ظل غياب إرادة حكومية فعلية، مشيرة إلى أن اللجنة الوطنية لتتبع إصلاح التعليم لم تنطلق فعليًا سوى بعد أربع سنوات من تشكيل الحكومة الحالية، في دلالة واضحة على بطء وتيرة الإصلاح.
وفي انتقاد مباشر لطريقة تدبير ملف التعليم العالي، أكدت بوجة في معرض سؤالها أن الاجتماع الوحيد الذي عقدته اللجنة الوطنية بتاريخ 31 يناير 2025، لم يسفر عن نتائج ملموسة، ولم يقدم توضيحات بخصوص هذه المشاريع المتعثرة، رغم أن الاجتماع جاء في سياق تعليمي يتسم بتراجع مؤشرات الأداء، كما أبرزته تقارير دولية من بينها تقرير "تيمس" الذي كشف عن تراجع مستوى التحصيل لدى التلاميذ المغاربة.
وفي سياق متصل، أكدت النائبة البرلمانية أن استمرار تجميد هذه المشاريع يساهم بشكل مباشر في تعميق الفوارق المجالية، ويزيد من معاناة الطلبة المنحدرين من المناطق النائية والمدن الصغرى، الذين يضطرون للهجرة نحو المراكز الجامعية الكبرى لمتابعة دراستهم، وهو ما يرفع من نسب الهدر الجامعي، ويقوض فرص فئات واسعة من الشباب في مواصلة مسارهم الأكاديمي وتحقيق طموحاتهم المستقبلية.
من جهتها، دعت اللجنة الوطنية لقطاع الجامعيين الديمقراطيين، في بيان بمناسبة فاتح ماي 2025، إلى ضرورة الرفع من ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي، مشددة على أهمية تعزيز استقلالية الجامعة العمومية، سواء على المستوى المالي أو البيداغوجي، وضرورة إرساء تدبير ديمقراطي يضمن جودة التكوين وتكافؤ الفرص.
كما طالبت بتحسين الوضعية المادية والاعتبارية للأساتذة الباحثين، ورفع مستوى الاستثمار في البحث العلمي، باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
وسبق أن أكد وزير التعليم العالي، عز الدين ميداوي، أن الوزارة واعية تمامًا بحجم التحديات التي تواجه القطاع، من اكتظاظ وتفاوتات اجتماعية ومجالية، إلى ضعف الخدمات الاجتماعية لفائدة الطلبة، مشيرًا إلى أن العمل جار لإيجاد حلول واقعية، ضمن الإمكانيات المتاحة، ووفق المرجعيات القانونية المؤطرة لمنظومة التعليم العالي.
ودعا الوزير مختلف المتدخلين إلى تقديم الدعم اللازم لهذا القطاع الحيوي، مؤكدًا أن تطوير الجامعة المغربية يظل مسؤولية جماعية تتطلب تعبئة سياسية ومالية ومجتمعية واسعة، من أجل توفير تعليم جامعي منصف وذي جودة، يستجيب لتطلعات المغاربة ويواكب تحولات العصر.
في ظل هذا الوضع، تتصاعد المطالب بضرورة الكشف عن مآل المشاريع الجامعية المجمدة، وضمان الحق في تعليم عالٍ منصف ومتاح للجميع. وبين التوجهات الإصلاحية المعلنة، والواقع العملي الذي يشهد تعثرًا في التنفيذ، تبقى الجامعة المغربية في مفترق طرق، تنتظر قرارات حاسمة تعيد الثقة إلى مؤسساتها وتمنح الأمل لجيل يراهن على التعليم كوسيلة للارتقاء والتمكين.