البيجيدي يغير موقفه والمعارضة تقترب من تفعيل ملتمس الرقابة

في خضم أجواء سياسية مشحونة وتحديات اجتماعية متنامية، عاد ملتمس الرقابة إلى واجهة النقاش العام في المغرب، متحولاً من مجرد أداة دستورية خاملة إلى ورقة ضغط حقيقية في يد المعارضة، تسعى من خلالها إلى إسقاط حكومة بات أداؤها محل جدل واسع، في وقت تتصاعد فيه أصوات المواطنين احتجاجاً على غلاء المعيشة وتراجع مؤشرات الثقة في العمل التنفيذي.
ويأتي هذا الحراك السياسي في سياق حساس، حيث تلوح في الأفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ما يضفي على التحركات الجارية طابعاً استراتيجياً يتجاوز اللحظة الراهنة.
وشكب قرار حزب العدالة والتنمية الانضمام إلى مبادرة تقديم ملتمس الرقابة شكل تحولاً مفصلياً في موازين القوى داخل المعارضة، بعد حسم هذا الأمر في اجتماع مغلق له يوم أمس السبت.
وكان البيجيدي متردداً في السابق في دعم هذه الآلية، بسبب خلافاته مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المبادر الأول إلى طرحها في محاولة لم تنجح منتصف العام الماضي.
غير أن التطورات المتسارعة والضغوط السياسية والاجتماعية المتراكمة دفعت قيادة الحزب إلى حسم موقفها والمراهنة على الاصطفاف إلى جانب شركائها المعارضين في هذه المحطة.
ومن من المرتقب أن تحسم المعارضة، في مسألة المصادقة على طرح ملتمس الرقابة خلال الأسبوع المقبل.
في المقابل، بدا حزب الاتحاد الاشتراكي أكثر تشبثاً من أي وقت مضى بفكرة تقديم ملتمس الرقابة، وهو ما عبّر عنه إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، خلال كلمة ألقاها في فعالية نقابية بمدينة الدار البيضاء، حين وصف الحالة السياسية في المغرب بالمزرية، منتقداً بشدة ما اعتبره جموداً في الأداء الحكومي وعجزاً عن الاستجابة لمطالب الشارع، وخاصة تلك المتعلقة بكلفة المعيشة وغلاء الأسعار.
ولم يتردد لشكر في الدعوة إلى "حقنة سياسية" تنعش الحياة الديمقراطية، ويرى في ملتمس الرقابة الأداة الأنسب لذلك.
ويستند التقدم الذي أحرزته المعارضة في التنسيق من أجل تفعيل هذه الآلية الدستورية، إلى مقتضيات الفصل 105 من الدستور المغربي، الذي يحدد شروط تقديم ملتمس الرقابة بتوقيع خُمس أعضاء مجلس النواب، ويشترط للمصادقة عليه تصويت الأغلبية المطلقة من النواب.
وهو ما يضع المعارضة أمام امتحان دقيق، يتطلب منها تجاوز حسابات التردد والانقسام، والعمل على ضمان كتلة صلبة قادرة على تمرير الملتمس في جلسة التصويت.
ومما يعزز جدية هذا المسار أن المادة 252 من النظام الداخلي لمجلس النواب توضح المسطرة التنظيمية لطرح الملتمس، بما في ذلك تقديم مذكرة مفصلة إلى رئيس المجلس، مرفقة بلائحة الموقعين، ونشرها رسمياً في القنوات المؤسساتية للمجلس، وهو ما يعكس البعد المؤسساتي والحساس لهذه الخطوة التي لا تخلو من أبعاد رمزية وسياسية قوية.
وفي خضم هذه الدينامية، سبق أن أكد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن اللحظة السياسية تفتح أمام المعارضة نافذة جديدة لاستعادة زمام المبادرة، معتبراً أن تفعيل ملتمس الرقابة ليس فقط وسيلة لإسقاط الحكومة، بل فرصة لتعزيز الرقابة البرلمانية وإحياء النقاش العمومي الذي خفتت حدته في السنوات الأخيرة.
ويرى بنعبد الله أن الفشل السابق لا يجب أن يكون عائقاً أمام المحاولة الجديدة، بل دافعاً نحو مراجعة الذات وتكثيف التنسيق بين مكونات المعارضة.