تراشق سياسي تحت القبة.. البرلمان يغرق في موجة من الاتهامات المتبادلة

تشهد المؤسسة التشريعية في المغرب هذه الأيام توتراً متصاعداً، عنوانه الأبرز الغياب المتكرر لأعضاء الحكومة عن جلسات البرلمان، وتبادل الاتهامات بين فرق الأغلبية والمعارضة، مما أفضى إلى حالة احتقان سياسي عكستها مشاهد متشنجة داخل قبة مجلس النواب، كان آخرها خلال الجلسة الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفوية، والتي تحولت إلى ساحة ملاسنات حادة بين نواب البرلمان ورئاسة الجلسة.
وانطلقت شرارة التوتر عقب استعراض رئيس الفريق الاشتراكي عبد الرحيم شهيد لائحة الوزراء المتغيبين، معتبراً أن استمرار غياب الحكومة عن الجلسات البرلمانية يمثل ضرباً صريحاً لمكانة المؤسسة التشريعية واستهانة بدورها الرقابي، وهو ما اعتبره خرقاً غير مقبول للأعراف الديمقراطية.
وكانت تلاوة الأسماء بمثابة إنذار سياسي فجّر خلافاً حاداً بين مكونات المجلس، حيث اعتبرتها بعض الأصوات من الأغلبية خرقاً للنظام الداخلي للمجلس ومحاولة لتسجيل نقاط سياسية على حساب مؤسسة يفترض أن تُدار بروح التوافق والمسؤولية.
وازدادت أجواء الجلسة توترها عندما حاول رئيس فريق حزب الاستقلال، علال العمراوي، الدفاع عن أحد الوزراء الغائبين موضحاً أن الأمر يتعلق بمهمة خارج أرض الوطن، غير أن رئيس الجلسة محمد أوزين بادر إلى إيقافه بدعوى خروجه عن نقطة النظام، وهو ما قابله اعتراض حاد من نواب حزب الاستقلال.
وازداد الموقف حدة حينما تدخل النائب البرلماني العياشي الفرفار دون إذن مسبق، ليرد عليه رئيس الجلسة بعبارة "شوف على نماذج"، وهو تعبير أثار حفيظة نواب الفريق الاستقلالي الذين طالبوا بسحب العبارة واعتذار رسمي من أوزين، معتبرين أنها تمس بمكانة نائب منتخب وتمثل انزلاقاً لفظياً غير مقبول داخل مؤسسة يفترض أن يسودها الاحترام المتبادل والانضباط لأخلاقيات العمل البرلماني.
ورغم محاولات التهدئة، تشبث رئيس الجلسة بموقفه معتبراً أن ما صدر عنه لا يتعدى توصيفاً لسلوك غير منضبط من نائب خرج عن مقتضيات اللباقة والنظام الداخلي، مؤكداً في الآن ذاته أنه لن يسمح باستغلال الأغلبية العددية لفرض منطق يتعارض مع روح القانون.
وقوبل رد أوزين بتصعيد من رئيس الفريق الاستقلالي الذي اتهم رئاسة الجلسة بإشعال فتيل التوتر داخل المؤسسة، مشدداً على أن احترام النواب لبعضهم البعض شرط أساسي لضمان استمرار عمل البرلمان بجدية ومصداقية.
ولم يتوقف السجال عند هذا الحد، بل امتد ليشمل نقاشاً أوسع حول طريقة تدبير الجلسات، حيث انتقد رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار ما اعتبره انحيازاً من رئاسة الجلسة ضد مكونات الأغلبية، مطالباً بالتوازن في التعامل مع مختلف الفرق البرلمانية وعدم الكيل بمكيالين في إعمال قواعد النظام الداخلي.
في خضم هذا التصعيد، أعلن نواب الفريق الاستقلالي رفضهم الشروع في أشغال الجلسة ما لم يتم سحب العبارة التي اعتبروها مهينة بحق النائب الفرفار، وهو ما أدى إلى تأخر انطلاق الجلسة لأزيد من نصف ساعة وسط حالة من الفوضى والتوتر، قبل أن يتدخل النائب الفرفار معلناً سحب ما بدر منه.
غير أن هذا الهدوء الظاهري لا يخفي حقيقة الأزمة البنيوية التي باتت تطبع علاقة البرلمان بالحكومة، إذ يرى مراقبون أن الغياب المتكرر للوزراء عن جلسات المساءلة يمثل مؤشراً مقلقاً عن تراجع منسوب الالتزام الحكومي تجاه المؤسسة التشريعية.
كما يعكس هشاشة التنسيق بين مكونات الأغلبية ذاتها، التي وجدت نفسها في موقع الدفاع عن حكومة يغيب بعض أعضائها دون تبريرات مقنعة، وهو ما يمنح المعارضة ذخيرة جديدة لتعزيز مواقفها.
ويجمع متابعون للشأن السياسي على أن استمرار هذا النوع من المشادات داخل البرلمان يسيء لصورة المؤسسة التشريعية أمام الرأي العام، ويمس بصدقيتها كموقع لصياغة السياسات العمومية ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.
كما أن طريقة تدبير الجلسات، خاصة تلك التي تطبعها الحدة والاحتقان، تطرح أسئلة حقيقية حول قدرة البرلمان المغربي على لعب دوره الدستوري الكامل في ظل أجواء سياسية مشحونة واستقطاب حاد بين مكونات المشهد.