إلغاء ذبح الأضاحي يفتح ورش إصلاح عميق لقطاع الماشية بالمغرب

في ظل تداعيات سنوات الجفاف المتواصلة وتراجع أعداد القطيع الوطني، عرفت جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، المنعقدة يوم الاثنين، تدخلًا لافتًا من وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، حيث قدّم رؤية الحكومة لما بعد القرار الملكي القاضي بإلغاء شعيرة ذبح الأضاحي لهذا العام، مشيرًا إلى أن وزارته بصدد إعداد برنامج يمتد للموسم 2025/2026 يهدف إلى مرافقة الكسابين وإعادة تأهيل قطاع الثروة الحيوانية، الذي تأثر بشكل بالغ بفعل الظروف المناخية والاقتصادية.
وأوضح البواري أن القطيع الوطني يعيش مرحلة دقيقة نتيجة الانخفاض الحاد في الموارد الكلئية وتوالي سنوات الجفاف، مما أدى إلى تراجع كبير في أعداد رؤوس الماشية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على وفرة اللحوم الحمراء في الأسواق وخلق اختلالًا في منظومة التزود الغذائي.
واعتبر الوزير أن استرجاع عافية القطيع الوطني سيتطلب سنوات من العمل المستمر والدعم العمومي المتواصل، مشددًا على أن الإجراءات الحكومية الراهنة تستهدف بالدرجة الأولى تعزيز العرض المحلي من خلال دعم مباشر لمربي الماشية.
وأكد المسؤول الحكومي أن وزارته تعمل على خطة متكاملة تتضمن توفير الأعلاف المدعمة، حيث تم توزيع 15 مليون قنطار من الشعير و5 ملايين قنطار من الأعلاف المركبة، إلى جانب تعليق الرسوم الجمركية وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة المرتبطة باستيراد الأغنام والأبقار والماعز والإبل.
هذه التدابير، بحسب البواري، تسعى إلى تخفيف الأعباء عن الكسابين وتثبيتهم في نشاطهم، خصوصًا أن 80 في المائة من مربي الماشية بالمغرب يُعدون من الكسابين الصغار، الذين لا يتجاوز عدد رؤوس الماشية لديهم الثلاثين.
واستعرض الوزير في ذات الجلسة الجهود الصحية التي تبذلها الدولة لحماية الثروة الحيوانية، مشيرًا إلى تلقيح أزيد من 17 مليون رأس من الأغنام والماعز، فضلًا عن حملات ميدانية استهدفت أكثر من 500 ألف كساب، جلّهم من الفئات الصغيرة والمتوسطة، مستفيدين من الأعلاف المدعمة والخدمات الصحية المجانية، في إطار رؤية اجتماعية تستحضر الهشاشة الاقتصادية التي يعانيها الفلاح المغربي.
وعلى صعيد أوسع، تحدث البواري عن برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالعالم القروي، واصفًا إياه بأنه أكبر ورش تنموي من نوعه في البلاد، حيث بلغت كلفته الإجمالية 48 مليار درهم، واستهدف 1243 جماعة قروية و140 مركزًا، لفائدة ما يزيد عن 14 مليون نسمة.
وذكر أن البرنامج مكّن من تشييد أكثر من 22 ألف كيلومتر من الطرق والمسالك القروية، وتوسيع شبكة الماء الشروب على امتداد يزيد عن ألف كيلومتر، مؤكدًا أن الحكومة تتهيأ لإطلاق مرحلة ثانية بالنظر إلى النتائج الميدانية الإيجابية التي تم تحقيقها.
وشكل قرار إلغاء ذبح الأضاحي، الذي أعلنه الملك محمد السادس في وقت سابق، نقطة تحول كبرى في العلاقة بين الدولة والمواطن في ما يخص تدبير الشعائر الدينية في سياق الأزمات.
وقوبل القرار، رغم طابعه المفاجئ، بترحيب واسع بين فئات اجتماعية عدة، بين من رأى فيه خطوة للتخفيف من الأعباء المالية عن كاهل الأسر، خاصة في ظل الغلاء المتصاعد، وبين من اعتبره فرصة استراتيجية لإعادة تنظيم قطاع تربية الماشية وتفادي انهياره تحت ضغط الندرة والجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج.
ومع بروز معالم الخطة الحكومية الجديدة، يظل السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت السنة المقبلة ستشهد استمرارًا لتعليق الذبح، أم أن الإجراءات الراهنة ستكون كافية لتمكين القطيع الوطني من التعافي واستئناف دورة الإنتاج.
وزير الفلاحة لم يجزم، لكنه أكد أن التعافي سيكون تدريجيًا، ويتطلب سنوات، ما يضع مسألة إحياء الشعيرة في العام المقبل أمام سيناريوهات متعددة، مرتبطة أساسًا بالتغيرات المناخية، ومدى نجاعة البرنامج الاستعجالي الذي شرعت الوزارة في تنفيذه.