البرلمان يفتح ملف الجامعة المغربية.. واقع مقلق للطلبة وتحديات تنتظر الإصلاح

في جلسة برلمانية حملت طابع النقاش الجاد والانشغال الوطني العميق، خصصت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، اليوم الأربعاء، اجتماعًا لمناقشة معايير وشروط توزيع المنح الجامعية على مستوى مختلف عمالات وأقاليم المملكة، وهو موضوع تقدمت به عدة فرق نيابية، من بينها فريق التقدم والاشتراكية، بالإضافة إلى تطرق باقي الأحزاب إلى الإشكالات الهيكلية التي تعاني منها الجامعة المغربية.
وقد شكّلت هذه المناسبة فرصة لتوسيع النقاش ليشمل القضايا البنيوية المرتبطة بمنظومة التعليم العالي، حيث طالب البرلمانيون بإجراء تقييم شامل للوضع الراهن للجامعة المغربية وتقديم خطة عمل واضحة المعالم من طرف الوزارة الوصية، تتضمن إجراءات آنية وأخرى متوسطة وطويلة المدى للارتقاء بجودة التعليم العالي وتعزيز دوره التنموي.
وفي هذا السياق، ألقى النائب عمر أعنان، باسم الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، مداخلة سلط فيها الضوء على الإشكالات الهيكلية التي تعاني منها الجامعة المغربية، خصوصًا على مستوى مؤسسات الاستقطاب المفتوح، والتي تئن تحت وطأة الاكتظاظ وضعف الموارد البشرية والمالية، فضلًا عن تعثر مشاريع رقمية وبيداغوجية استراتيجية، كمنصات التسجيل ومراكز الوسائط ومشاريع التميز الجامعي.
وأبرز أعنان أن مخطط تسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في أفق 2030، الذي يستند إلى توصيات النموذج التنموي الجديد، يطمح إلى إعادة بناء الجامعة المغربية على أسس جديدة تضع الإنسان في قلب التحول، وتراهن على إعداد كفاءات مبدعة ومندمجة، بما ينسجم مع التحولات العالمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والطاقات المتجددة، والصناعة الرقمية.
غير أن تفعيل هذه الرؤية لا يزال يصطدم باختلالات مقلقة، حسب المتحدث ذاته من بينها بطء انخراط بعض المسؤولين الجامعيين، وغياب مسارات جامعية متخصصة تواكب حاجيات الجهات الحيوية في مجالات مثل الماء والطاقة والصحة.
ودعا النائب البرلماني إلى ضرورة تعبئة شروط الإصلاح الجوهري، بدءًا من تحفيز الأساتذة الباحثين، وتوفير التمويل المناسب، وتهيئة سكن جامعي لائق للطلبة، وتطوير الهياكل الجامعية بما يعزز الحكامة الجيدة، لتتحول الجامعة إلى قاطرة للتنمية الجهوية.
كما شدد على أهمية تسريع التقسيم الوظيفي للكليات متعددة التخصصات، ودعم التكوينات ذات الاستقطاب المحدود عبر إنشاء معاهد متخصصة في التخصصات ذات الأولوية الوطنية.
من جانبها، اعترفت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على لسان الوزير عز الدين الميداوي، بضعف قيمة المنحة الجامعية مقارنة بتكاليف الحياة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لا جدال فيه، رغم المجهود الكبير الذي تبذله الدولة لتوفير الإعانات المادية لفائدة الطلبة.
وأوضح الوزير أن الوزارة تعمل على تصور جديد لتوسيع قاعدة المستفيدين من السكن والإطعام الجامعيين، مبرزًا أن حل هذه الإشكالات يتطلب انخراطًا جماعيًا من مختلف الفاعلين، سواء تعلق الأمر بالجماعات الترابية، أو الجهات، أو القطاع الخاص.
كما أشار إلى أن هناك مساعي لعقد شراكات متنوعة من أجل بناء وتدبير الأحياء والمطاعم الجامعية وتجويد الخدمات الصحية والاجتماعية، بما يحسن من ظروف الحياة الجامعية.
وفي ما يخص الإحصائيات المتعلقة بالمنح، كشف الوزير أن نسبة الاستجابة لطلبات المنح الجامعية خلال الموسم 2024-2025 بلغت 93%، بعدما كانت في حدود 82% خلال الموسم السابق، مع الإشارة إلى أن الهدف هو بلوغ 450 ألف منحة بحلول الموسم 2026-2027، وهو ما يعكس تطورًا تدريجيًا في التعامل مع هذا الملف الحيوي.
وأضاف أن البت في طلبات المنح الدراسية أصبح من اختصاص لجنة وزارية مركزية، تُراعي التوازنات الجهوية والاجتماعية في تحديد المستحقين.
غير أن الوزير لم يتوانَ في الكشف عن معطيات صادمة حول واقع التعليم العالي، أبرزها أن بعض الجامعات لا تصرف الميزانيات المرصودة لها رغم الحاجيات الملحة، وأن هناك غيابًا شبه تام لنظام معلوماتي وطني شامل، ما يضعف القدرة على اتخاذ قرارات دقيقة، ويعقد عمليات التقييم والتخطيط.
كما أكد أن الهياكل الجامعية الحالية باتت متجاوزة ومحدودة الفعالية، داعيًا إلى إصلاحها جذريًا، مع إرساء مبادئ الشفافية والمسؤولية.
وفي معرض حديثه عن المؤشرات البيداغوجية، أشار الميداوي إلى ظواهر مقلقة، كغياب 40% من الطلبة عن امتحانات الفصل الأول، وضعف نسب التخرج، وارتفاع معدلات الهدر الجامعي، مضيفًا أن المعدل الحالي في التأطير لا يرقى إلى المعايير الدولية، حيث يبلغ عدد الطلاب لكل أستاذ 250، مقارنة بمعدل يتراوح بين 10 و15 في الأنظمة الجامعية المتقدمة.
كما أشار إلى أن بعض الجامعات المغربية تضم أكثر من 160 ألف طالب، وهو ما يفوق الطاقة الاستيعابية الطبيعية، ويؤثر سلبًا على جودة التكوين.
وأعرب الوزير عن أسفه لعدم اعتماد آلية التقييم المستمر، وغياب التعاقد كأداة فعالة لتأطير العلاقات بين الدولة والمؤسسات الجامعية، مشيرًا إلى ضرورة إعادة إطلاق هذا الورش بشكل فوري.
وختم مداخلته بالتأكيد على أن إصلاح التعليم العالي يجب أن ينبني على الواقعية والإرادة السياسية الصلبة، في أفق تحويل الجامعة المغربية إلى مؤسسة منتجة للمعرفة والتنمية، ومواكبة لتحولات الزمن الراهن.