الدار البيضاء تُقنن حراسة السيارات.. حزمة شروط جديدة تُثير التساؤلات والمخاوف

صادق مجلس جماعة الدار البيضاء، الأربعاء 7 ماي 2025، خلال أشغال دورته العادية، على دفتر تحملات جديد يؤطر تنظيم استغلال الملك العمومي الجماعي لحراسة السيارات والدراجات على تراب المدينة، في خطوة وُصفت بالتحول الجذري في التعامل مع واحد من أكثر الملفات إلحاحًا وتوترًا في الفضاء العام.
القرار الذي جاء بعد نقاشات مستفيضة، يُراد من خلاله إعادة الاعتبار للشارع البيضاوي ووضع حد لعشوائية استغلال مواقف السيارات التي طالما أثارت استياء السائقين والمواطنين، نتيجة الممارسات الخارجة عن القانون وفرض إتاوات غير مشروعة من طرف حراس غير مرخص لهم.
ويأتي هذا الدفتر ليُعيد رسم معالم جديدة لمهنة عرفت تاريخيًا بانفلاتها من أي تأطير مؤسساتي أو جبائي.
وبموجب الوثيقة الجديدة، بات الحصول على رخصة حراسة السيارات مشروطًا بعدد من المعايير الاجتماعية والتنظيمية، أبرزها الإقامة داخل النفوذ الترابي للمقاطعة المعنية، والتوفر على شهادة إثبات الوضعية الاجتماعية وشهادة عدم الشغل، إضافة إلى منح الأولوية لفئات هشة من قبيل الأرامل والمعيلين الوحيدين وذوي الاحتياجات الخاصة القادرين على أداء المهام المطلوبة.
كما اشترطت الجماعة عدم امتلاك أي عقارات كملاك منفردين، مع إعطاء الأسبقية للمستفيدين السابقين الذين تتوفر فيهم الشروط الجديدة.
ويُلزم دفتر التحملات الجديد المستفيدين بعدد من الالتزامات التنظيمية، من بينها احترام المسافة القصوى المحددة في 70 مترًا، وارتداء زي موحد معرف يتضمن اسم الحارس ورقم رخصته، إلى جانب حظر أي تعامل خارج التعريفة القانونية المحددة من طرف الجماعة، ومنع فرض رسوم إضافية أو الدخول في مشادات كلامية مع السائقين أو الزملاء.
كما تم حظر استغلال الملك العمومي لأغراض أخرى مثل غسل السيارات أو عرض البضائع، مع التأكيد على ضرورة سداد الرسوم الجبائية المستحقة وفقًا للقرار الجبائي الجاري به العمل.
وأعلنت عمدة مدينة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، في كلمتها عقب المصادقة، أن هذا النظام الجديد يأتي استجابةً للشكايات المتزايدة التي وردت على مصالح الجماعة، مؤكدة أن دفتر التحملات يمثل لأول مرة إطارًا قانونيًا واضحًا لتقنين مهنة كانت تمارس خارج القانون.
وأضافت أن الجماعة أطلقت منصة رقمية جديدة تحمل اسم “رخص” لتمكين طالبي الرخص من تقديم ملفاتهم بشكل منظم وشفاف، واختيار الأماكن المتاحة باستثناء المناطق الخاضعة لنظام العدادات مثل "لا زون بلو" التي تُدبر من طرف شركة “كازا بيئة”.
وأوضحت الرميلي أن الطلبات تُعرض على لجنة مختلطة تضم ممثلين عن الجماعة والأمن والسلطات المحلية، تُعنى بدراسة الملفات بناءً على معايير دقيقة تهدف إلى ضمان توزيع عادل للرخص، ومنع الاحتكار أو منح امتيازات غير مبررة.
ويُمنح المتقدم مهلة 15 يومًا لاستكمال ملفه، مع التأكيد على ضرورة تعليق الرخصة في مكان العمل وإرفاقها ببطاقة مهنية واضحة، والتزام صارم بالزي الرسمي.
وفي ما يتعلق بشروط الحصول على الرخصة، أشارت العمدة إلى أن اعتماد شرط السجل العدلي لم يعد معمولاً به، ويُعوّض اليوم بعمل اللجنة التقييمية، في إطار مقاربة تستهدف الإدماج الاقتصادي لفئات اجتماعية محددة، خصوصًا الشباب والنساء في وضعية هشاشة، دون السماح بالحصول على أكثر من رخصة واحدة لنفس الشخص.
وفي ما يخص تسعيرة الركن، أكدت الرميلي أن التسعيرة النهائية لم تُحدَّد بعد، لكنها ستُدرج ضمن القرار الجبائي المعتمد، حيث ستكون موحدة وخاضعة لمعايير واضحة حسب المناطق والأزقة.
وشددت على أن أي شخص يحصل على رخصة سيكون ملزمًا بأداء رسوم الاستغلال لفائدة الجماعة.
ووجهت الرميلي نداءً إلى عموم المواطنين من أجل الاطلاع على مضامين دفتر التحملات وفهم بنوده، معتبرة أن المشروع يُشكل نقلة نوعية نحو حكامة جيدة في تدبير الفضاء العمومي، ومؤشرًا على إرادة حقيقية لتنظيم قطاع لطالما ظل مصدرًا للتوتر والفوضى داخل المدينة.
ويُرتقب أن تثير هذه الخطوة ردود فعل متفاوتة، بين من يعتبرها تنظيمًا منتظرًا منذ سنوات، وبين من يرى فيها شرعنة لممارسات قائمة كانت في صلب انتقادات المواطنين.
وبين الرغبة في إدماج الفئات الهشة وحماية الملك العمومي، يبقى الرهان الأكبر على مدى قدرة المجلس الجماعي على فرض احترام الضوابط الجديدة وضمان التطبيق الفعلي لمقتضيات دفتر التحملات على أرض الواقع.