الميزان يواصل كشف اختلالات الأغلبية ويضع ملف السطو العقاري تحت المجهر البرلماني

في تطور سياسي لافت يعكس اهتزاز موازين التحالف الحكومي، أطلق حزب الاستقلال، أحد أعمدة الأغلبية الحكومية، سلسلة من الانتقادات العنيفة التي كشفت عن شرخ متزايد في العلاقة بين مكوناته.
ولم يعد الحزب يكتفي بمواقف خجولة أو إشارات ضمنية، بل اختار المواجهة المباشرة تحت قبة البرلمان، ملوّحًا بمساءلات حادة وملفات شائكة تتعلق بالفساد والتقصير في تدبير الشأن العام.
وفي مشهد يعكس تحوّلًا جذريًا في خطاب الحزب، سبق أن قاد الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة حملة تشريحية للسياسات الحكومية، مركزًا سهام نقده على تدبير ملفات حيوية كالتشغيل ودعم المواد الاستهلاكية.
لم يتردد بركة في الحديث عن "جشع" بعض الفاعلين في السوق، متهمًا إياهم بالاغتناء غير المشروع على حساب جيوب المواطنين، وخاصة في ما يتعلق بدعم استيراد الأغنام، حيث تحدث عن مضاعفة الأسعار بنسبة مائة في المائة، مما أفرغ هذا الإجراء الحكومي من مضمونه الاجتماعي وعمّق أزمة القدرة الشرائية لدى المغاربة.
من جانبه، لم يفوّت النائب الاستقلالي عبد الرحيم بوعيدة فرصة مساءلة وزير الشغل يونس السكوري، خلال الجلسة الأخيرة بمجلس النواب دون أن يوجه له سهام نقد لاذعة بشأن مؤشرات البطالة. فبلهجة ساخرة، شكك بوعيدة في صدقية الأرقام التي يقدمها الوزير، قائلاً إنها "لا تعكس واقع المغرب، بل قد تخص السويد أو كندا"، معتبراً أن الحكومة تسوق "أوهاماً جميلة" بدل الاعتراف بفشلها في معالجة أزمة التشغيل.
وتحوّلت هذه المداخلة إلى مشهد جدلي متوتر، حين وصف بوعيدة وعود الحكومة بتوفير مليون منصب شغل بـ"الوهم الكبير"، الذي قد يتحول إلى "مليون منصب عطالة"، داعيًا إلى الوضوح والمكاشفة بدل الاستناد إلى أرقام وصفها بـ"المضللة".
وفي فصل جديد من التصعيد، فتح الفريق الاستقلالي ملفًا شائكًا يتعلق بما وصفه بـ"سطو ممنهج" على أراضٍ كانت مخصصة لإنشاء مرافق عمومية بمدينة آيت ملول.
ووجّه النائب خالد الشناق سؤالًا آنياً إلى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، يستفسر فيه عن حقيقة قيام شركة عقارية ببناء إقامة سكنية على هذه الأراضي، التي كانت مخصصة لبنيات حيوية مثل مسجد، مستوصف، مكتب بريد، وساحات خضراء.
وطالب النائب البرلماني عن الفريق الاستقلالي، خالد الشناق، في سؤاله بالكشف عن حقيقة ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول قيام شركة عقارية بتشييد إقامة سكنية على أراضٍ كان من المفترض أن تحتضن مرافق عمومية وساحات خضراء، بما في ذلك مسجد ومقر مقاطعة إدارية ومستوصف ومكتب للبريد، وغيرها من البنيات التحتية الضرورية لتحسين عيش الساكنة.
وأشار النائب إلى أن الشركة العقارية المعنية لم تلتزم ببناء هذه المرافق العمومية والساحات الخضراء المنصوص عليها في الترخيص الأصلي، الأمر الذي أثار استياءً واسعاً في صفوف الرأي العام المحلي.
وتساءل الشناق عن مدى صحة هذه الأخبار، مطالباً الوزيرة بالكشف عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة لمعالجة هذه الوضعية التي تشغل بال الرأي العام المحلي بشكل كبير، والقيام بتحقيق شامل في الموضوع للوقوف على حيثياته وتحديد المسؤوليات.
الاحتقان لم يقف عند هذا الحد، إذ وسّع الفريق الاستقلالي جبهة انتقاداته لتطال سياسة الحكومة في التعامل مع ملف المباني الآيلة للسقوط، وهي قضية تؤرق العديد من المدن المغربية.
واعتبر الفريق أن الحكومة لا تتعامل بالجدية اللازمة مع هذا التحدي العمراني والاجتماعي، محذرًا من أن هذه المباني ليست مجرد جدران متصدعة، بل تراث معماري يعكس روح وهوية المغرب، من الزليج إلى النقوش الجبسية، وهي عناصر مهددة بالاندثار في ظل غياب رؤية واضحة وشاملة لإنقاذها.
بهذا التصعيد الواضح، يبدو أن حزب الاستقلال يعيد رسم موقعه داخل المشهد السياسي، متحررًا من لغة التحالفات التقليدية، ومسلحًا بخطاب برلماني نقدي، يضع الحكومة في مرمى المساءلة والمحاسبة.
وفي وقت تتصاعد فيه مؤشرات الاحتقان الاجتماعي، يصبح لهذا الخطاب وقع خاص، قد يعيد ترتيب الأوراق داخل المشهد السياسي المغربي، ويدفع نحو مراجعة شاملة لعلاقة الحكومة بمكوناتها داخل الأغلبية ووعودها تجاه المواطن.