ملف "خارج السلم" يعود إلى الواجهة.. المتقاعدون يرفعون صوتهم ضد الإقصاء

شهدت العاصمة المغربية ندوة صحفية لافتة، نظمها المتقاعدون والمزاولون في قطاع التعليم المقصيون من الاستفادة من الأثر الإداري والمالي للترقية إلى خارج السلم، ضمن ما يصفونه بـ"نضال طويل الأمد" لاسترداد حق مؤجل منذ توقيع اتفاق 26 أبريل 2011، الذي ظل حبيس الرفوف، على حد تعبيرهم، فيما جددوا عزمهم على مواصلة التصعيد الميداني إلى حين تحقيق مطالبهم كاملة.
الندوة الصحفية، التي تزامنت مع تحركات احتجاجية متكررة أمام البرلمان ومقرات وزارية، عكست حجم الغضب الذي يعتري شريحة واسعة من رجال ونساء التعليم، ممن وجدوا أنفسهم خارج دائرة المستفيدين من الاتفاق الذي كان من المفترض أن يُنصفهم أسوة بزملائهم.
واعتبر المشاركون من الجمعية الوطنية لمتقاعدات ومتقاعدي أطر الإدارة التربوية بالمغرب المقصيين والمقصيات من خارج السلم أن ما يتعرضون له ليس فقط تهميشاً إدارياً، بل "إجهازاً ممنهجاً" على الحقوق، في تجاهل صارخ لتضحيات أجيال ساهمت في بناء المدرسة العمومية لعقود طويلة.
واعتبر المتدخلون في الندوة أن الحكومة ملزمة أخلاقيًا وسياسيًا بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع النقابات منذ 2011، مؤكدين أن مطلبهم لا يندرج في إطار مزايدات جديدة، بل هو "حق موقوف التنفيذ"، تم الالتفاف عليه دون مبرر.
وفي كلمات طبعها الغضب والأسى، تحدث أحد الأساتذة المزاولين قائلاً: "نحن هنا اليوم لنقول للحكومة، كفى تجاهلاً، الاتفاق التزمت به الدولة، وليس من المقبول أن نُقصى منه فقط لأننا تقاعدنا قبل تفعيله".
كما أعرب متدخلون عن امتعاضهم من سياسة الصمت والتسويف، معتبرين أن كل تأخير جديد هو تكريس للظلم الإداري في دولة يُفترض أنها تؤسس للعدالة الاجتماعية.
الحكومة، من جهتها، سبق أن بعثت برسائل تطمين على لسان عدد من مسؤوليها، حيث شدد نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، على أن ورش إصلاح التقاعد لن يتم دون توافق مسبق مع الفرقاء الاجتماعيين، مؤكداً أن حماية حقوق الشغيلة تمثل خطًا أحمر.
نفس النبرة جاءت في تصريحات وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، التي أكدت أن أي إصلاح مستقبلي سيأخذ بعين الاعتبار استدامة الصناديق دون الإضرار بالمكتسبات.
غير أن هذه التصريحات لم تفلح في تبديد مخاوف المتضررين، الذين يرون أن الخطاب الرسمي لا يتجاوز حدود التطمين اللفظي، في غياب قرارات ملموسة على الأرض، وسط توجس عام من أن يكون الإصلاح المقبل مجرد إعادة توزيع للأعباء على حساب المتقاعدين.
وعبّر المشاركون عن رفضهم لما وصفوه بـ"منطق التسويف وغياب الجدولة الزمنية"، معتبرين أن الأمر يتعلق بحق موثق باتفاق رسمي، لا يمكن التراجع عنه أو تأجيله إلى ما لا نهاية.
ووسط هذا الواقع المحتقن، يلوح ملف "خارج السلم" كمؤشر جديد على تعثر الحوار الاجتماعي في شقه العملي، وعدم التزام الدولة بمبدأ استمرارية الاتفاقات.
ويخشى مراقبون من أن تتطور الأمور إلى موجات تصعيد غير محسوبة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار اجتماعي حقيقي لضمان فعالية أي إصلاح مرتقب لأنظمة التقاعد المهددة أصلاً بعجز مالي متسارع.
وبين التصريحات الحكومية المطَمئنة والمطالب النقابية والشعبية المُلِحة، يبدو أن الطريق نحو حل منصف وعادل لا يزال طويلاً. إلا أن المؤكد، وفق تعبير المشاركين في الندوة، أن المعركة لن تتوقف، وأن الشارع سيظل صوتهم الأعلى ما دامت القاعات المغلقة لا تصغي، والاتفاقات السابقة لا تُحترم.