المعارضة تتجه لجمع توقيعات النواب لتفعيل ملتمس الرقابة

في أجواء سياسية تتقاطع فيها التحولات الداخلية مع الضغوط الاجتماعية المتفاقمة، تستعد المعارضة البرلمانية لخطوة نوعية، قد تعيد تشكيل موازين القوى داخل المؤسسة التشريعية، وذلك من خلال تفعيل آلية ملتمس الرقابة، التي طالما ظلت حبيسة النصوص الدستورية، قبل أن تبادر القوى السياسية المعارضة إلى إخراجها إلى دائرة الفعل السياسي.
ومع بداية الأسبوع المقبل، يُنتظر أن تنطلق الفرق البرلمانية المعارضة في جمع التوقيعات اللازمة لتقديم المقترح، في مسعى يعكس تصعيداً سياسياً غير مسبوق تجاه حكومة تعاني من تآكل الثقة وتنامي الانتقادات الشعبية.
وكان من المنتظر أن تبدأ هذه العملية خلال الأسبوع المنصرم، غير أن التزامات عدد من النواب بالمشاركة في المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني ـ المغربي الذي احتضنته العاصمة نواكشوط يومي 9 و10 ماي، فرضت تأجيل الخطوة، دون أن تقلل من زخمها السياسي أو من إصرار المعارضة على المضي قدماً في المسار.
ملتمس الرقابة، الذي يعود اليوم إلى الواجهة بقوة، يُعاد تقديمه ليس فقط كمجرد أداة دستورية محكومة بمنطق المساطر، بل كورقة ضغط سياسية تلوح بها المعارضة في وجه حكومة لم تنجح، بحسب خصومها، في احتواء موجة الغلاء أو في إعادة بعث الثقة في السياسات العمومية.
في هذا السياق، شكّل إعلان حزب العدالة والتنمية انخراطه في هذا المسعى تحولاً حاسماً في المشهد السياسي، إذ كان الحزب الإسلامي، الذي يقود المعارضة البرلمانية، متردداً في دعم مبادرة ملتمس الرقابة في محطتها السابقة، خصوصاً بسبب تباين المواقف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي بادر سابقاً إلى طرح المقترح.
غير أن الضغط السياسي وتفاقم الأزمة الاجتماعية دفعا قيادة البيجيدي إلى تعديل موقفها والانضمام إلى التنسيق الجديد، بما يحمله ذلك من دلالة سياسية في اتجاه توحيد صفوف المعارضة وتعزيز فرص تحقيق النصاب الدستوري المطلوب.
في المقابل، يبدو حزب الاتحاد الاشتراكي أكثر تشبثاً من أي وقت مضى بضرورة تقديم الملتمس، إذ عبّر الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، عن قناعة راسخة بضرورة ضخ "حقنة سياسية" في الحياة العامة، عبر أداة الرقابة البرلمانية، التي يرى فيها مدخلاً لإعادة التوازن للمشهد العام وإحياء الفاعلية المؤسساتية.
وحمل لشكر، الذي لم يتردد في وصف الوضع السياسي بالمزري، الحكومة مسؤولية حالة الجمود والتقاعس عن الاستجابة لمطالب المواطنين، موجهاً نقداً لاذعاً لما اعتبره تقاعساً في التعاطي مع ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاجتماعية.
تحرك المعارضة لا يخلو من تحديات تنظيمية ودستورية، إذ يفرض الفصل 105 من الدستور المغربي شرط توقيع خُمس أعضاء مجلس النواب على الملتمس، إلى جانب اشتراط تصويت الأغلبية المطلقة لتمريره، وهو ما يفرض على الفرق البرلمانية المعارضة تجاوز خلافاتها، والاشتغال بمنطق الوحدة والتكامل، في سبيل تكوين جبهة برلمانية صلبة قادرة على فرض الإرادة السياسية داخل قبة البرلمان.
وقد بدا هذا الوعي واضحاً من خلال التحركات المكثفة للقيادات الحزبية، ومساعيها لإقناع نواب مستقلين أو من أحزاب أخرى بالانضمام إلى المبادرة.
في الجانب الإجرائي، يحدد النظام الداخلي لمجلس النواب، وتحديداً المادة 252، المسطرة التفصيلية لتقديم الملتمس، من خلال مذكرة ترفع إلى رئيس المجلس، وتتضمن تفاصيل المبادرة وأسماء الموقعين عليها، وهو ما يمنح المبادرة ثقلاً مؤسساتياً ويؤكد الطابع الرسمي والجدي للتحرك الراهن.
وفي ظل هذه الدينامية المتسارعة، سبق أن أكد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن لحظة تفعيل ملتمس الرقابة تتجاوز هدفها التقني المتعلق بإسقاط الحكومة، لتتحول إلى أداة لإعادة إنعاش الحياة السياسية، وتحقيق نوع من التوازن بين السلط، في ظل ما وصفه بتراجع حيوية النقاش العمومي.
وأكد بنعبد الله في لقاء سابق بالدار البيضاء على ضرورة استثمار الفرصة الحالية لإعادة تصويب المسار الديمقراطي، داعياً إلى مزيد من التنسيق وتجاوز أخطاء التجربة السابقة.