اختلالات طلبات السند تربك الجماعات وتهدد الاستثمارات العمومية

أثار تعثر نظام "طلبات السند" عبر البوابة الإلكترونية للصفقات العمومية بالمغرب موجة من الانتقادات الحادة، وسط تحذيرات من تداعياته المباشرة على الاستثمار العمومي وتقدم المشاريع الحيوية، لاسيما مع استعداد البلاد لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
هذا النظام الذي راهنت عليه الحكومة لتبسيط المساطر الإدارية وتسريع إنجاز المشاريع، أضحى اليوم في مرمى الشكوك، بعد أن تحوّل في نظر عدد من المتتبعين من آلية إصلاحية واعدة إلى عائق بيروقراطي يربك الجماعات الترابية ويقوض النجاعة الاقتصادية المرجوة.
وفي هذا السياق، دخل البرلمان على خط الجدل الدائر، بعدما وجه النائب البرلماني مولاي المهدي الفاطمي، عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، سؤالاً كتابياً إلى وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، استعرض فيه سلسلة من الاختلالات التي قال إنها تضرب في عمق مصداقية النظام الرقمي المعتمد، محذراً من نتائجه العكسية على وثيرة إنجاز المشاريع العمومية وشفافية تدبير المال العام.
وانتقد البرلماني بشدة ما وصفه بـ"الاختلالات العميقة" التي تعتري منظومة طلبات السند، متسائلاً عن الجدوى من استمرار العمل بها في ظل ما تشهده من إشكالات تقنية وتدبيرية، تجعلها أحياناً عبئاً ثقيلاً على مصالح الجماعات الترابية بدل أن تكون رافعة لتسريع وتيرة التنمية المحلية.
وأشار، في هذا الصدد، إلى أن عدداً من العروض التي تتقدم بها مقاولات متنافسة تكون فاقدة للجدية أو مشكوكاً في قدرتها الفعلية على تنفيذ المشاريع، خصوصاً عندما تقدم بأسعار زهيدة جداً لا تتناسب مع طبيعة الأشغال المطلوبة أو الكلفة السوقية لها.
وأبرز النائب أن مسؤولي الجماعات يجدون أنفسهم في موقف حرج بين الالتزام بنص القانون، الذي يمنح الأفضلية للعرض الأرخص، وبين القلق المشروع من التعاطي مع مقاولات قد تكون غير مؤهلة أو غير جادة في تنفيذ التزاماتها.
هذا التخوف لا يستند فقط إلى احتمالات مستقبلية، بل تعززته، حسب المعطيات التي قدمها الفاطمي، حالات واقعية لمقاولات فازت بالصفقات ثم امتنعت عن مباشرة الأشغال أو أجلت انطلاقها لأسباب غير مبررة، مما عطل مشاريع حيوية وأدى إلى إعادة المساطر من جديد، في مشهد يتكرر أكثر من اللازم ويؤثر بشكل مباشر على مصالح المواطنين.
وفي ظل هذه الاختلالات، دعا النائب البرلماني إلى مراجعة شاملة للإطار التنظيمي المنظم لطلبات السند، معتبراً أن اللحظة تفرض إعادة التفكير في شروط ولوج المقاولات لهذا النظام، خاصة من حيث التأهيل المهني والضمانات المالية.
وشدد على ضرورة اعتماد معايير جديدة تشمل الكفاءة والخبرة وسوابق الأداء، وعدم الاقتصار على معيار السعر، إلى جانب تعزيز الرقابة المسبقة والآليات الزجرية، بما في ذلك إدراج المقاولات المتقاعسة ضمن لوائح سوداء تُعمم على مختلف الإدارات العمومية.
كما وجّه عدة تساؤلات دقيقة للوزارة الوصية، تمحورت حول الإجراءات القانونية والتنظيمية التي تضمن مصداقية العروض، ومدى توفر منظومة تقييم شاملة لتصنيف المقاولات حسب أدائها وجودة خدماتها، بالإضافة إلى نوعية الردع المعتمد في حال تماطل أو إخلال المقاولات بالتزاماتها التعاقدية.
ويأتي هذا النقاش في ظرفية دقيقة تتطلب تعبئة كافة الآليات الوطنية من أجل ربح رهانات التنمية وتسريع وتيرة إنجاز المشاريع الكبرى، لا سيما تلك المرتبطة بالاستحقاقات الرياضية والاقتصادية المقبلة. وهو ما يجعل من إصلاح منظومة الصفقات العمومية ضرورة ملحة، تقتضي توازناً دقيقاً بين تبسيط المساطر وحماية المال العام، وبين تسريع وتيرة الإنجاز وضمان الجودة والشفافية في تنفيذ المشاريع.