المعارضة تتجاوز خلافاتها وتضع اللمسات الأخيرة على ملتمس الرقابة

في تطور سياسي بالغ الأهمية، تمكنت المعارضة البرلمانية بمجلس النواب من تجاوز خلافاتها الداخلية والتوصل إلى صيغة توافقية لتقديم ملتمس رقابة ضد حكومة عزيز أخنوش، في خطوة تهدف إلى مساءلة الأغلبية الحكومية عن أدائها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في ظل ما تعتبره المعارضة إخفاقاً حكومياً متكرراً وتراجعاً مقلقاً عن الالتزامات المعلنة.
وجاء هذا التحول النوعي بعد اجتماع عقده رؤساء فرق ومجموعة المعارضة النيابية مساء الإثنين بمقر المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، برئاسة عبد الله بووانو، مباشرة بعد جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية.
وشهد الاجتماع، نقاشاً معمقاً بشأن الخطوات العملية والإجرائية المرتبطة بتفعيل آلية الرقابة البرلمانية، وأسفر عن توافق مبدئي بين مكونات المعارضة الأربعة على تقديم الملتمس وتجاوز التباينات التي كانت تعرقل هذا المسار منذ أسابيع.
ووفقا لمصادر مطلعة، فإن المذكرة المتعلقة بالملتمس أصبحت في مراحلها النهائية، على أن يُحسم في صيغتها النهائية وتفاصيلها التقنية خلال الأيام القليلة القادمة، تمهيداً لتقديمها إلى رئاسة مجلس النواب وفق مقتضيات النظام الداخلي.
وقد اتفقت الفرق النيابية، بما فيها الفريق الاشتراكي، وفريق التقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، على توزيع المهام الإجرائية والتنسيق المشترك من أجل ضمان أعلى درجات الانسجام والتكامل في هذه الخطوة المفصلية.
وتراهن المعارضة، على تفادي أي ارتدادات قد تضعف من زخم المبادرة أو تُفسح المجال لتدخلات خارجية.
وشكل التحاق حزب العدالة والتنمية، الذي كان في وقت سابق متحفظاً على الانخراط في ملتمس الرقابة، نقطة تحول بارزة، تعكس مدى التبدلات التي عرفها المزاج السياسي داخل المعارضة.
فبعد فترة من البرود في علاقته ببقية الفرق، خصوصاً حزب الاتحاد الاشتراكي الذي بادر منفرداً إلى التلويح بالمقترح في وقت سابق، اقتنعت القيادة الإسلامية، أخيراً بضرورة الاصطفاف ضمن جبهة موحدة، أبغية استعادة التوازن داخل الحقل السياسي والمؤسساتي.
وفي الاتجاه ذاته، سبق أن عبر إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، حماسه لهذه الخطوة، مؤكداً أن الوضع الراهن يقتضي “صدمة سياسية” تُعيد للمشهد ديناميته وتعيد الاعتبار لدور البرلمان كمؤسسة رقابية وتشريعية.
لشكر، الذي وجّه انتقادات شديدة للحكومة بسبب ما أسماه “جمودها وفشلها في احتواء الأزمة الاجتماعية”، اعتبر في لقاء حزبي أن ملتمس الرقابة هو الرد الطبيعي على ما سماه بـ”العجز السياسي” للحكومة الحالية.
ومن جانبه، شدد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في لقاء سابق بالدار البيضاء على أن المبادرة تتجاوز مجرد الرغبة في إسقاط الحكومة، بل تمثل لحظة سياسية رمزية ينبغي استثمارها في تجديد الحياة السياسية، وإعادة التوازن للسلط، في ظل ما وصفه بـ”تراجع الحيوية الديمقراطية”.
ودعا بنعبد الله إلى ضرورة تجاوز أخطاء الماضي، مشيراً إلى أن النجاح في هذه المحطة يتطلب تماسكاً كبيراً وانفتاحاً على كافة القوى المناوئة للنهج الحكومي الحالي.
وتنص المادة 105 من الدستور المغربي على أن ملتمس الرقابة لا يُقبل إلا إذا وقعه خُمس أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يُوافق عليه إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء.
وهو ما يفرض على المعارضة العمل بمنطق تعبوي واسع، يشمل التنسيق مع نواب من خارج التكتل التقليدي، في أفق تأمين قاعدة برلمانية عريضة قادرة على دعم هذه الآلية الثقيلة.
وعلى المستوى الإجرائي، يخضع تقديم الملتمس لمسطرة دقيقة، تبدأ بمذكرة رسمية تتضمن مبررات الخطوة وأسماء الموقعين عليها، تُوجَّه إلى رئاسة المجلس، وتُعرض لاحقاً على التصويت في جلسة عامة.
وبينما تترقب الأوساط السياسية نتائج هذه الخطوة غير المسبوقة منذ تنصيب حكومة أخنوش، يبقى السؤال الأبرز مطروحاً: هل تملك المعارضة فعلاً القدرة على تحويل مبادرتها إلى قرار دستوري ناجح، أم أن حركتها ستظل أسيرة الحسابات العددية والحسابات السياسية المعقدة داخل قبة البرلمان؟