فشل ملتمس الرقابة.. هل كشف الانقسام داخل المعارضة عمق هشاشتها السياسية والتواصلية؟

الكاتب : انس شريد

16 مايو 2025 - 10:30
الخط :

في مشهد يعكس عمق التصدع داخل صفوف المعارضة البرلمانية، فجر انسحاب الفريق الاشتراكي من مبادرة تقديم ملتمس رقابة ضد حكومة عزيز أخنوش جدلاً واسعاً وحرجاً سياسياً كبيراً، ليس فقط بشأن فشل المحاولة ذاتها، بل حول ما إذا كانت هذه الخطوة قد عرّت ضعفاً هيكلياً في التنسيق والتواصل بين مكونات المعارضة، وأظهرت حدود قدرتها على تحويل الاحتجاج السياسي إلى فعل مؤسساتي مؤطر وفعّال.

القرار الذي اتخذه الفريق الاشتراكي لم يمر مرور الكرام داخل الاوساط السياسية، حيث عبّر عدد من النواب في المعارضة عن صدمتهم مما وصفوه بـ"انسحاب دون سابق إنذار"، عبر بلاغ صحفي أحادي، دون التشاور مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، في خرق صريح لأبسط قواعد التنسيق السياسي والمؤسساتي.

ووفق مصادر برلمانية متطابقة، فإن المعارضة كانت قد اتفقت مبدئياً على توزيع الأدوار في هذه الخطوة السياسية الحساسة، حيث كان أحد الفرق سيتولى تنظيم ندوة صحفية، بينما يُكلف آخر بقراءة البلاغ، فيما يُكلف فريق ثالث بإيداع ملتمس الرقابة. إلا أن هذا الترتيب لم يصمد طويلاً أمام ما وصفه البعض بـ"حسابات شخصية ومصالح حزبية ضيقة".

الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله لم يُخفِ امتعاضه مما آل إليه الوضع، حيث اعتبر، أن المعارضة فشلت للمرة الثانية في توحيد الصف حول ملتمس الرقابة، وهو ما وصفه بـ"الحدث غير المفهوم".

وأكد نبيل بنعبد الله، عبر الموقع الرسمي لحزب التقدم والاشتراكية، أن التركيز على الخلافات الهامشية طغى بشكل مؤسف على جوهر النقاش السياسي، الذي كان من المفترض أن يتمحور حول تقييم أداء الحكومة ومساءلتها، لا الغرق في تفاصيل جانبية أضعفت قيمة المبادرة وأفرغتها من مضمونها.

وفي المقابل، جاءت تبريرات الفريق الاشتراكي قاسية في لهجتها، حيث حملت بلاغاته اتهامات مباشرة لبعض مكونات المعارضة بعدم توفر "إرادة حقيقية وصادقة" لتفعيل الملتمس، مع الإشارة إلى أن النقاشات انحرفت نحو "تفاصيل ذاتية وتقنية لا علاقة لها بالأعراف السياسية والبرلمانية".

وذهب البلاغ أبعد من ذلك، حين اتهم أطرافاً داخل المعارضة بـ"تشويش إعلامي متعمد" و"تضليل الرأي العام"، مع تغليب الحسابات الضيقة على ما وصفه بـ"التمرين الديمقراطي النبيل".

من جهة أخرى، رأى العديد من المتتبعين للشأن السياسي أن ما حدث لم يكن سوى تتويج لمسار طويل من الشكوك والتراشق السياسي، بدأ منذ أشهر، خاصة بعد تصعيد اللهجة بين عبد الإله بنكيران وإدريس لشكر، ومروراً بغياب الأخير عن المؤتمر الوطني التاسع للعدالة والتنمية، الأمر الذي اعتبره البعض إشارة رمزية على الفتور في العلاقات السياسية، وربما إعلاناً مبكراً عن فقدان الثقة.

وفي المقابل، لطالما تعاملت الأغلبية الحكومية مع مبادرة ملتمس الرقابة بنوع من التهكم السياسي والثقة الزائدة، حيث لم تتردد في التقليل من جدواها ومن قدرة المعارضة على تشكيل تهديد حقيقي داخل قبة البرلمان.

وبلغ هذا الخطاب ذروته عندما صرّح الطالبي العلمي، القيادي البارز في حزب التجمع الوطني للأحرار، خلال لقاء حزبي، بأن المعارضة الحالية "تحتاج إلى 15 أو حتى 20 سنة إضافية لتتعلم كيف تمارس دورها المؤسسي بشكل ناضج"، في إحالة ساخرة اعتبرها كثيرون استفزازاً مباشراً، بينما رآها آخرون توصيفاً صارخاً لأزمة بنيوية تتخبط فيها المعارضة منذ سنوات.

آخر الأخبار