سيدي مومن.. القنبلة السوداء التي فشلت المجالس المنتخبة في نزع فتيلها

في قلب الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية التي ترفع راية الحداثة والتنمية، تقف مقاطعة سيدي مومن كأحد أكثر الأمثلة على فشل السياسات المحلية في تحقيق العدالة المجالية والتنمية المتوازنة.
ولا تزال المقاطعة التي طالما وصفت بـ"القنبلة السوداء" نظراً لتعقيد أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، تغرق في مستنقع التهميش، رغم تعاقب المجالس المنتخبة وتعالي الشعارات الوردية عن تأهيل الأحياء الهامشية ودمجها في دينامية المدينة.
ويكفي القيام بجولة بسيطة داخل أحياء سيدي مومن حتى تتضح الصورة دون حاجة لتقارير أو دراسات.
مجرد مرور عابر في أحياء المنطقة كافية لنقل صورة حقيقية؛ فما يراه الزائر عند تجواله، من شوارع متآكلة وأزقة تغزوها الحفر، يبعث على الدهشة، ويكشف عن ضعف بنية تحتية تتضاءل كلما تضخمت الوعود على لسان المسؤولين.
وينضاف إلى هذه المظاهر مشاهد لافتة؛ الدواب تتجول بين أزقة الأحياء، وكأنك في قرية نائية، لا في قلب العاصمة الاقتصادية للبلاد.
ويترافق ذلك مع ضعف الإنارة وغياب النظافة، في صورة تكاد تُنسي السكان في انتمائهم لمدينة تزعم أنها عاصمة الاقتصاد والتنمية.
ورغم المساحة الواسعة والكثافة السكانية المرتفعة التي تميز سيدي مومن، إلا أن المجالس المتعاقبة عجزت عن مواكبة حاجيات السكان، لا من حيث البنية التحتية، ولا في ما يتعلق بالخدمات الأساسية.
ويزداد الوضع قتامة مع محدودية الميزانية المخصصة للمقاطعة، مقارنة مع مقاطعات أخرى داخل المدينة، ما جعل المنتخبين والفاعلين الجمعويين يرفعون صوتهم مطالبين بإعادة النظر في منطق توزيع الموارد على أساس الأولوية والحاجة، لا الاعتبارات السياسية أو الحسابات الانتخابية.
وفي ظل هذه الظروف، لم تفلح الوعود التي أطلقتها رئيسة جماعة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، في تهدئة الوضع أو خلق بصيص أمل لدى السكان.
فرغم الحديث عن تقليص الفوارق بين المقاطعات، بقيت سيدي مومن خارج أجندة الأولويات، ما يطرح أسئلة جادة حول مدى نجاعة السياسات المحلية، خاصة مع اقتراب موعد تنظيم المغرب لكأس العالم 2030، وتطلعاته إلى تقديم صورة حضارية متكاملة عن مدنه.
وفي تقرير أعدته رابطة جمعيات سيدي مومن، تم تسليط الضوء على جملة من الإشكالات التنموية والاجتماعية التي تحول دون تحسين ظروف العيش، أبرزها ضعف البنية التحتية، تردي الخدمات الصحية، هشاشة الوضع الأمني والبيئي، وارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين صفوف الشباب وحاملي الشهادات.
كما أشار التقرير إلى أن المنطقة تشهد هيمنة واضحة للاقتصاد غير المهيكل، ما ينعكس سلباً على التنمية المحلية، ويقوّض فرص الشغل المستدام.
وعلى صعيد التكوين، يعاني أبناء سيدي مومن من نقص حاد في فرص التأهيل المهني، إلى جانب غياب ملاءمة التكوينات المتاحة مع متطلبات سوق الشغل، مما يفضي إلى بطالة طويلة الأمد، تتقاطع مع ضعف إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة وغياب العدالة في الولوج إلى الوظيفة على أساس الكفاءة فقط.
أما في ما يخص البنية التحتية، فقد سجلت الجمعيات المدنية اختلالات كبيرة؛ من غياب وسائل النقل العمومي الكافية لربط سيدي مومن بعدد من المناطق، بالاضافة إلى قلة الحافلات التي تسهل على الطلبة الوصول إلى الكليات والمراكز الصناعية.
ودعت الرابطة في تقريرها، جميع الشركاء السلطات المحلية المنتخبون القطاعات الحكومية، والمجتمع المدني إلى تبني توصيات التشخيص وإدراجها في السياسات العمومية، بالإضافة تعزيز التنسيق بين الفاعلين لتنفيذ مشاريع ملموسة، مع إشراك الساكنة في جميع مراحل التنمية، من التخطيط إلى التقييم.
التشخيص الذي أطلقته الرابطة يمكن اعتباره يمثل خارطة طريق لتنمية منصفة لحي سيدي مومن، لكونه يترجم إرادة الساكنة في أن يكونوا شركاء حقيقيين في تطوير منطقتهم .
بناء عليه أكدت الرابطة أنها ستعمل بالتنسيق مع شرائكها على مواصلة الترافع والمتابعة لمخرجات التشخيص التشاركي المجالي لضمان ترجمة هذه النتائج إلى إجراءات عملية.
وبين الوعود المتكررة وصمت الجهات المنتخبة، يظل سكان سيدي مومن أسرى لحياة لا تشبه ما يُروّج له في نشرات الخطط الرسمية، بانتظار صحوة ضمير قد تأخذ بأيديهم نحو واقع أكثر إنصافاً وعدلاً.