إلغاء عيد الأضحى يشعل فتيل الغلاء.. والمواطنون يتشبثون بـ"الدوارة" كرمز بديل

الكاتب : انس شريد

21 مايو 2025 - 09:30
الخط :

تشهد أسعار اللحوم الحمراء، وخاصة "الدوارة"، موجة تذبذب حادة في الأسواق المغربية، تتأرجح بين الارتفاع والانخفاض بشكل مفاجئ، وسط مؤشرات تنذر بزيادات إضافية مع اقتراب عيد الأضحى، رغم إعلان رسمي سابق بتعليق شعيرة الذبح لهذا العام، تجاوباً مع الجفاف وتراجع القطيع الوطني.

ورغم هذا القرار غير المسبوق، تسود الأسواق حالة من النشاط اللافت، حيث يقبل المواطنون على اقتناء مكونات الأضحية الرمزية مثل الكبد والدوارة بأكملها "الكرشة، الرئة، الكبد، القلب"، في محاولة جماعية للاحتفاظ بروح العيد وتقاليده، ولو من دون كبش.

في مشهد يعكس تمسكاً اجتماعياً وثقافياً بطقوس العيد، تعرف محلات الجزارة والأسواق الشعبية في المدن الكبرى ازدحاماً شديداً، وطلباً مرتفعاً على "الدوارة"، ما تسبب في قفز أسعارها إلى مستويات غير معهودة، حيث وصل ثمنها ما بين 400 و500 درهم في بعض المدن الكبرى، وسط غياب آليات رقابية واضحة لضبط الأسعار أو تنظيم السوق.

ويعزو عدد من المهنيين هذه الارتفاعات حسب حديثهم "للجريدة 24" إلى تقليص عمليات الذبح وقلة العرض، مقابل ارتفاع حاد في الطلب، في ظل قرار منع ذبح الأضاحي، مع تقييد شديد على ذبح الإناث، ما خلق وضعاً استثنائياً استغله بعض الوسطاء لتحقيق أرباح كبيرة على حساب جيوب المواطنين.

رغم أن القرار الملكي الصادر قبل أشهر دعا إلى تعليق شعيرة الذبح، حفاظاً على القطيع الوطني ومراعاة للظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، إلا أن الأسواق لم تشهد تراجعاً في الإقبال كما كان متوقعاً.

بل على العكس، تحولت "الدوارة" إلى بديل شعبي رمزي للأضحية، يعيد عبره المغاربة جزءاً من طقوس العيد، ويخفف من شعور الغياب والحنين لشعيرة ظلت لعقود ركناً أساسياً من تقاليد المجتمع.

العديد من المواطنين عبّروا عن ارتباطهم الروحي والاجتماعي بمظاهر العيد، معتبرين أن غياب الخروف لا يعني إلغاء العيد، بل فرصة لتأقلم جماعي مع واقع اقتصادي صعب، دون التفريط في الطقوس العائلية التي تُميز هذه المناسبة عن غيرها.

ويعكس المشهد في الأسواق تحولاً نوعياً في سلوك الاستهلاك، إذ باتت بعض الأسر تكتفي بشراء أجزاء بسيطة من لحم الغنم كبديل عن الأضحية، وهو ما خلق ضغطاً إضافياً على سلاسل التوريد.

كما لجأ بعض الجزارين إلى ذبح عدد محدود من الأبقار، تحت إشراف بيطري، بغرض بيع الأحشاء فقط، فيما لجأت شركات أخرى إلى استيراد كميات من "الدوارة" المجمدة من الخارج لسد جزء من الخصاص، في محاولة لتلبية الطلب المرتفع الذي فاجأ حتى أصحاب المهنة.

هذا التحول الاجتماعي اللافت لا يُخفي حالة الغضب والامتعاض لدى فئات واسعة من المواطنين، خصوصاً الأسر ذات الدخل المحدود، التي وجدت نفسها مضطرة لمجاراة الأسعار الخيالية، أو التخلي نهائياً عن تقاليد العيد.

وقد عبّر عدد من المواطنين عن استيائهم من غياب تدخل السلطات لضبط الأسعار ومواجهة ما وصفوه بـ"جشع الشناقة"، مؤكدين أن عيد الأضحى تحوّل في السنوات الأخيرة من مناسبة دينية إلى عبء اقتصادي، في ظل غياب سياسات فعالة لحماية القدرة الشرائية ومراقبة السوق.

وتطرح هذه الظاهرة المتكررة كل سنة علامات استفهام حول فعالية أجهزة المراقبة، ومدى التزام الجهات المعنية بمسؤولياتها في ضبط السوق، ومنع التلاعب بالأسعار. فبينما تتحدث الحكومة عن إجراءات لحماية المستهلك، يرى المواطنون أن الواقع يثبت عكس ذلك، وأن الفوضى التي تعم الأسواق تكشف عن غياب إرادة سياسية حقيقية لوضع حد لممارسات الاحتكار والابتزاز الموسمي.

في المقابل، يرى بعض المهنيين أن الإقبال الكبير على "الدوارة" هذا العام يكشف عن عمق الهوية الثقافية والاجتماعية للمغاربة، وقدرتهم على التكيّف مع المستجدات، دون التفريط في جوهر المناسبة، رغم غياب الأضحية.

هذه القدرة التأقلمية، كما يؤكد باحثون في علم الاجتماع، تُعدّ من مظاهر المرونة الثقافية التي يتمتع بها المجتمع المغربي، والتي تسمح له بمواجهة الأزمات دون فقدان الحس الجماعي أو رمزية المناسبات الدينية.

وقد خلّف القرار الملكي القاضي بتعليق شعيرة عيد الأضحى لهذه السنة صدى واسعاً داخل المجتمع، حيث قُوبل بتفهم كبير من الأغلبية، التي رأت في الخطوة مبادرة تضامنية تحفظ القطيع الوطني، وتُراعي الظروف المعيشية التي تمر بها البلاد.

وجاء القرار عقب سنوات متتالية من الجفاف، وتراجع مهول في الموارد المائية، ما أثر على الثروة الحيوانية، ودفع المملكة إلى اتخاذ إجراءات احترازية لحماية الأمن الغذائي.

وفي ظل كل هذه المعطيات، تظل "الدوارة" أكثر من مجرد طعام موسمي، بل تحوّلت إلى رمز ثقافي واجتماعي يحمل ذاكرة جماعية عميقة، ويعكس قدرة الناس على الاحتفاظ بالفرح وسط الصعاب، ولو من خلال وجبة بسيطة تُحضّر في أجواء احتفالية، تُعيد شيئاً من الدفء العائلي، وتعوّض الغياب القسري للخروف.

هذا العيد، إذن، ورغم كل التحديات، لا يبدو عيداً حزيناً كما توقع البعض، بل لحظة تأمل جماعية في مفهوم التضحية والاحتفال والانتماء، وفرصة لإعادة التفكير في علاقة المجتمع بالاستهلاك الموسمي، وإمكانية تجديد الفهم الديني والاجتماعي للشعائر، بما ينسجم مع متغيرات العصر وتحديات البيئة والاقتصاد.

آخر الأخبار