تداعيات فرض العدادات تستنفر المعارضة.. دعوات لإشراك الفلاحين في تدبير السياسات المائية

في ظل تفاقم الأزمة المناخية وتزايد المخاوف من نُدرة المياه، يبرز المغرب كأحد البلدان التي باتت تواجه معضلة مائية خانقة، تضع السلطات أمام تحديات استراتيجية غير مسبوقة.
وكشفت السنوات الأخيرة عن تراجع مقلق في منسوب المياه، وضع المملكة في مواجهة مباشرة مع مؤشرات الجفاف المتواترة، التي تهدد ليس فقط الأمن البيئي، بل مستقبل الزراعة والأمن الغذائي برمته، خاصة في المناطق التي تعتمد اعتمادًا كليًا على المياه الجوفية.
إزاء هذا الوضع الحرج، أطلقت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بتنسيق مع وزارة الداخلية، خطة وطنية ذات طابع استعجالي هدفها ترشيد استهلاك المياه في القطاع الفلاحي، أبرز بنودها إغلاق الآبار غير المرخصة وفرض تركيب عدادات لقياس حجم المياه المستعملة.
إجراءات تراهن عليها الدولة لضبط وتيرة استهلاك الفرشات المائية والحد من الاستغلال العشوائي الذي طالما هدد التوازن البيئي، لكنها في المقابل فجرت نقاشًا واسعًا في الأوساط الفلاحية، حيث رأى فيها كثيرون عبئًا إضافيًا يفاقم هشاشة الفلاح الصغير ويزيد من تعقيد معيشته اليومية.
الجدل لم يبق محصورًا في الفلاحين بل انتقل إلى قبة البرلمان، حيث وجّه النائب محمود عبا عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سؤالًا كتابيًا إلى الوزارة الوصية، شكك فيه في مدى عدالة ونجاعة القرار الحكومي.
واعتبر عبا أن الإجراءات الأخيرة تمثل مقاربة إدارية ضيقة لا تعكس الواقع المركب للفلاحة المغربية، وأن تحقيق الأمن المائي لا يجب أن يكون بمعزل عن الأمن الغذائي، خصوصًا في ظل التحديات التي تعرفها المناطق القروية والهامشية، على غرار جهة كلميم واد نون وأقاليمها الأربعة، حيث يعتمد السكان بشكل رئيسي على الفلاحة كمصدر للعيش.
وأشار النائب البرلماني إلى أن القرار يفتقر إلى بعد تشاركي حقيقي، مشددًا على أن الحلول الفوقية التي لا تُشرك الفاعلين المحليين ولا تأخذ بخصوصيات كل منطقة، تظل قاصرة عن تحقيق تحول حقيقي في سياسات تدبير المياه.
فبدون إشراك فعلي للفلاحين في بلورة الحلول، وبدون دعم ملموس يراعي ظروفهم الاقتصادية، حسب سؤال عبا لا يمكن بناء عدالة مائية تضمن استدامة المورد وتحفظ في الوقت ذاته مصالح الطبقات الهشة.
وأبرز النائب البرلماني أن الحكومة مطالبة بمواكبة هذا النوع من الإجراءات بسياسات دعم مباشر للفلاحين، تشمل تخفيف أعباء الفوترة وتقديم بدائل تقنية تمكنهم من ترشيد الاستهلاك دون المساس بأمنهم الغذائي والمعيشي، مؤكدا أن الفلاح البسيط يجد نفسه محاصرا بإكراهات مادية متزايدة، من ارتفاع كلفة المدخلات الفلاحية إلى تقلبات الأسعار في الأسواق، و فرض عدادات لقياس المياه يزيد من تعقيد وضعهم، خصوصا في غياب دعم تقني ومادي مباشر.
وتساءل النائب البرلماني محمود عبا عن الإجراءات الممكنة لتبني حلول مبتكرة في تدبير الموارد المائية، بدل اللجوء مباشرة إلى فرض العدادات أو إغلاق الآبار، مشددًا على ضرورة تأسيس ثقافة جديدة في التعامل مع الماء، تقوم على الوعي والمشاركة لا الزجر والإكراه.
كما طالب باعتماد مقاربة متكاملة توازن بين المراقبة والدعم، وتُراعي خصوصيات كل منطقة، بحيث تضمن في آن واحد حماية الموارد المائية وتشجيع الإنتاج المحلي، دون المساس بحقوق الفلاحين أو تعميق هشاشتهم الاقتصادية.