المعارضة تهاجم أداء الوكالة المغربية وبنعلي تقر بتأخر 20 سنة في النجاعة الطاقية

في اجتماع حادّ بمجلس النواب، شهدت لجنة مراقبة المالية العامة نقاشًا ساخنًا حول أداء الوكالة المغربية للنجاعة الطاقية، حيث أمطرت المعارضة الحكومة بوابل من الانتقادات، ووصفت حصيلة الوكالة بالضعيفة وغير المتناسبة مع طموحات المملكة في مجال الانتقال الطاقي. اللقاء، الذي حضرته وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، أعاد إلى الواجهة الأسئلة المحورية بشأن الحكامة، النجاعة، وتدبير الموارد المالية والبشرية في هذه المؤسسة.
عمر اعنان، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي، اعتبر أن النجاعة الطاقية ليست رفاهية تقنية، بل خيار استراتيجي لحماية الأمن الطاقي والعدالة المناخية، محذّرًا من تأخر ملحوظ في تنزيل الاستراتيجيات المعلنة، وضعف في تفعيل التدخلات المبتكرة، وغموض في تقييم الأثر الحقيقي للبرامج.
كما أشار إلى ارتباك في علاقات الشراكة وتدبير الموارد، وغياب الشفافية في صرف الميزانية، ما يطرح علامات استفهام حول مدى جدية الالتزام العمومي بهذا الورش الوطني.
وفي السياق ذاته، تساءلت نادية تهامي، النائبة البرلمانية عن فريق التقدم والاشتراكية، عن مكانة الوكالة في المنظومة المؤسساتية الطاقية، معتبرة أن محدودية الإمكانيات البشرية والمالية تقف حائلًا أمام تحقيق الأهداف الكبرى.
وانتقدت تركيز الوكالة على التوعية، في حين أن المرحلة تتطلب برامج تنفيذية قوية، داعية إلى توسيع صلاحيات الوكالة تشريعيًا إذا اقتضى الأمر ذلك. كما شددت على ضرورة إشراك البحث العلمي لتطوير أدوات وتكنولوجيات تسهم في تقليص استهلاك الطاقة وتوفيرها بطرق أكثر عدالة بيئية.
من جهتها، استعرضت سكينة لحموش، عن الفريق الحركي، ملاحظات دقيقة استندت فيها إلى معطيات تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي أكد ضعف نتائج الوكالة رغم مرور أكثر من عقد على إحداثها.
ولفتت الانتباه إلى النزيف البشري داخل المؤسسة، وتراجع عدد موظفيها بنسبة تفوق 16 في المائة، ما يضع علامات استفهام حول مدى جاهزيتها للقيام بمهام إضافية.
وأكدت أن تداخل الأدوار مع مؤسسات أخرى، منها شركة الهندسة الطاقية، يعمق من الفوضى في التدبير ويعرقل تحقيق الأهداف.
أمام هذا السيل من الملاحظات، لم تنفِ الوزيرة ليلى بنعلي جوانب القصور، بل أقرت بتأخر تاريخي يناهز عشرين سنة في تفعيل سياسات النجاعة الطاقية، معتبرة أن الوزارة تحاول حاليًا إحداث تحول "فلسفي" في طريقة التعامل مع هذا الملف، من خلال إطلاق إصلاحات هيكلية تمتد إلى ميادين التكوين المهني، التعليم العالي، والشراكة مع الفاعلين المحليين.
وكشفت بنعلي عن أولى التجارب الميدانية لعقود الأداء الطاقي في جهة الشرق، معتبرة أن نتائجها ستكون حاسمة في تحديد معالم التوسع في باقي الجهات.
كما أبرزت الوزيرة أهمية إعادة النظر في نماذج التكوين، مقترحة التحول من التركيز على إنتاج الطاقة إلى تأهيل الكفاءات في مجالات الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والعدادات الذكية.
واعتبرت أن هذا التحول ضروري لمواجهة تحديات التغير المناخي، وضمان استدامة الموارد البيئية، وترشيد استعمال الطاقة على المديين المتوسط والبعيد.
وتطرقت الوزيرة كذلك إلى ملف الإنتاج الذاتي، مؤكدة أنه يمثل رؤية جديدة لتمكين المواطن المغربي من التحول من مستهلك سلبي إلى منتج طاقي واعٍ، وهو ما ساهم في إطلاق مبادرات مثل تخصيص دعم مالي للمواطنين مقابل الترشيد الطاقي، في تجربة فريدة أثبتت حسب قولها فعالية المواطن في الانخراط في السياسات العمومية الطاقية حين تتاح له الفرصة.
ورغم أنها اعترفت بعدم بلوغ مرحلة دمج الفائض من الإنتاج الذاتي بشكل كامل في الشبكة الكهربائية، إلا أنها أكدت وجود تقدم تشريعي وتنظيمي واضح، سمح برفع نسبة الفائض المسموح به من 10 إلى 20 في المائة، وهو ما فتح الباب لمنح تراخيص جديدة، وجعل من هذه المقاربة نموذجًا للتغيير المستدام.
في ختام الجلسة، بدا واضحًا أن ملف النجاعة الطاقية يطرح إشكاليات عميقة تتجاوز مجرد البنية التنظيمية للوكالة المغربية، ليصل إلى صلب الرؤية التنموية للمملكة.
فبين انتقادات المعارضة، وتطمينات الحكومة، يظل التحدي الأكبر هو بناء ثقافة مؤسساتية جديدة قادرة على مواكبة التحول العالمي في أنماط الاستهلاك والإنتاج، وترجمة الطموحات إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية، قبل أن تُسجل في تقارير رسمية.