استرخاص أرواح العاملات الزراعيات يعيد المطالب بإصلاح منظومة النقل المهني

الكاتب : انس شريد

28 مايو 2025 - 10:00
الخط :

تجدد الجدل في المغرب حول الوضعية المزرية للعاملات الزراعيات عقب الحادثة الأليمة التي شهدتها جماعة سبت الكردان بإقليم تارودانت، والتي أسفرت عن وفاة ست نساء وإصابة أخريات بجروح متفاوتة الخطورة، إثر انقلاب سيارة من نوع "بيكوب" كانت تقلهن نحو إحدى الضيعات الفلاحية.

الحادثة المروعة، التي فجرت موجة استياء واستنكار في الأوساط الحقوقية والنقابية، تعكس وجهاً قاتماً لواقع شريحة واسعة من النساء اللواتي يعملن في ظروف شديدة القسوة، ويواجهن بشكل يومي تحديات ترتبط بالسلامة، النقل، وانعدام الحماية القانونية والاجتماعية.

ما وقع في سبت الكردان لا يُعد استثناءً، بل حلقة أخرى ضمن سلسلة حوادث مأسوية متكررة تشهدها عدد من المناطق الفلاحية، حيث تحولت وسائل النقل العشوائية إلى مصدر دائم للخطر.

شاحنات صغيرة متهالكة، تتكدس فيها العاملات كما البضائع، في غياب أدنى شروط السلامة والكرامة.

ووسط هذه الصورة القاتمة، تتعالى الأصوات الحقوقية المطالبة بوضع حد لاسترخاص أرواح النساء في الحقول، وبتحمل الدولة والمشغلين لمسؤولياتهم القانونية والأخلاقية.

في بيان شديد اللهجة، اعتبرت مجموعة "شابات من أجل الديمقراطية" أن ما تتعرض له العاملات الزراعيات من انتهاكات، خاصة فيما يتعلق بوسائل النقل، يمثل جريمة متواصلة في حقهن، تمس حقهن في الحياة والكرامة.

وأشارت المجموعة إلى أن استمرار هذا النوع من الحوادث يعكس غياباً واضحاً لأي حماية قانونية من طرف الدولة، وتواطؤاً صامتاً من الجهات التي يفترض أن تراقب وتطبق القانون.

وأضافت أن المخاطر اليومية التي تواجهها العاملات، بسبب وسائل النقل غير القانونية، المهترئة والمكتظة، تعكس منظومة كاملة من العنف الاقتصادي الموجه ضد النساء الفقيرات، اللواتي يجدن أنفسهن في قلب معادلة الإنتاج دون أن يتمتعن بأي من الحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور أو التشريعات الوطنية.

من جهته، حمّل الفرع الجهوي للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، الشركة المعنية مسؤولية الحادث، مستنكراً ما وصفه بـ"الاستهتار بأرواح العاملات والعمال".

وأكدت النقابة في بيانها أن هذه المأساة دليل صارخ على فشل الجهات المشغلة في توفير أبسط شروط السلامة، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً من السلطات العمومية، وعلى رأسها وزارات النقل والشغل والفلاحة. كما نددت بما اعتبرته محاربة صريحة للعمل النقابي داخل الضيعات الفلاحية، ومساعي بعض الشركات لتصفية العاملات والعمال القدامى وخلق بيئة عمل قائمة على الهشاشة والخوف والتبعية.

وطالبت النقابة بفتح تحقيق نزيه لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المتسببين في هذا الحادث المفجع، داعية إلى سن إجراءات عملية وفورية لضمان تنقل العاملات في وسائل آمنة، ولحماية حقوقهن القانونية من الاستغلال.

كما شددت على ضرورة تفعيل التزامات وزارة الفلاحة ووالي جهة سوس ماسة بخصوص تحسين شروط العمل في الضيعات، مؤكدة أن الوقت قد حان لوقف هذا النزيف السنوي الذي يحصد أرواح النساء تحت مسمى "حادث عرضي".

سياسياً، أثار الحادث تساؤلات نواب المعارضة حول الخطوات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لتفادي تكرار مثل هذه الكوارث.

وفي مناسبات سابقة، كانت وزارة النقل واللوجستيك قد أشارت إلى أن المسؤولية المباشرة عن سلامة العاملات تقع على عاتق المشغلين وأرباب الضيعات، دون أن تترجم هذه التصريحات إلى سياسات رقابية صارمة أو إصلاحات تشريعية تضمن الحماية الفعلية للعاملات.

في مقابل هذا الواقع، تبقى العاملات الزراعيات الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج الفلاحي، حيث يتقاضين أجوراً زهيدة، ويشتغلن في ظروف مناخية ومهنية قاسية، دون عقود عمل رسمية، ولا حماية صحية أو اجتماعية، حسب ما تؤكده الجمعيات الحقوقية.

آخر الأخبار