من الغش إلى التحرش.. المغاربة يرسمون خريطة السلوكيات المقلقة قبل استضافة المونديال

في الوقت الذي يستعد فيه المغرب لتنظيم واحدة من أضخم التظاهرات الرياضية في العالم، برزت تحديات سلوكية واجتماعية تمثل هواجس حقيقية لدى الرأي العام الوطني، وهو ما كشفته نتائج استطلاع حديث أجراه المركز المغربي للمواطنة، بهدف قياس واقع السلوك المدني لدى المغاربة وتقييم مدى تأثيره المحتمل على صورة البلاد خلال استضافتها لكأس العالم 2030.
وأظهر الاستطلاع، الذي شارك فيه 1173 شخصًا من مختلف الفئات العمرية والجهات بين 10 فبراير و13 مارس من السنة الجارية، أن الغش في المعاملات التجارية والسياحية يتصدر قائمة الممارسات السلبية التي قد تسيء لصورة المغرب أمام العالم.
وعبّر 84.8% من المشاركين عن قلقهم من مظاهر تشمل رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، وتقديم خدمات بجودة متدنية، لا سيما في القطاع السياحي، ما يعكس وعيًا مجتمعيًا بضرورة ترسيخ قيم الشفافية والنزاهة في التعاملات اليومية.
ولم يكن موضوع النظافة بعيدًا عن قائمة الانشغالات، حيث صرّح 81.7% من المستجوبين بأن رمي النفايات في الشوارع والفضاءات العمومية يعد من بين السلوكيات المسيئة، سواء في أعين الزوار الأجانب أو المغاربة أنفسهم، ما يجعل من احترام البيئة جزءًا من الصورة الحضارية المنشودة.
وفي الاتجاه نفسه، أبدى 77.0% من المشاركين تحفظهم من ظاهرة التسول، خصوصًا عندما تتخذ طابعًا منظمًا أو يتم فيها استغلال الأطفال، معتبرين أنها تعكس هشاشة اجتماعية وتترك انطباعًا سلبيًا لدى السياح.
كما أبرز الاستطلاع جوانب أخرى من القلق المجتمعي، من بينها غياب مراحيض عمومية نظيفة بالمرافق السياحية، والذي اعتبره 73.6% من المستطلعين مؤشرًا سلبيًا على جاهزية البنية التحتية، إلى جانب السلوكيات المنتشرة لدى بعض سائقي سيارات الأجرة، كرفض تشغيل العداد أو انتقاء الزبائن، وهي ممارسات أزعجت 73.0% من المشاركين.
أما ضعف الاستجابة الصحية في الحالات المستعجلة، فربطه 71.7% بغياب الجاهزية المؤسساتية، بينما رأى 71.6% أن الفوضى وعدم احترام النظام في الطوابير يعكس خللًا في الثقافة المجتمعية.
ورغم تفاوت النسب، لم تخلُ الدراسة من الإشارة إلى ممارسات ذات أثر سلبي محتمل، كظاهرة التحرش بالسائحات التي أبدى بشأنها 69.6% من المشاركين قلقًا بالغًا، إلى جانب المضايقات في الشوارع والأسواق بنسبة 64.9%، والقيادة المتهورة وعدم احترام ممرات الراجلين بنسبة 54.9%.
وفي المقابل، فإن نسبة القلق من عدم احترام الزوار أو الاختلافات الثقافية بدت أقل وضوحًا، إذ لم تتجاوز 37.6%.
الاستطلاع لم يكتف برصد مظاهر القلق، بل تناول أيضًا تقييم المواطنين لمستوى الالتزام بالقيم المدنية، حيث عبّر 44.8% عن أن سلوك المغاربة في الفضاء العام من حيث اللباقة واحترام الآخرين متوسّط، بينما صرّح 42.8% بعدم رضاهم عن هذا الجانب.
أما علاقة الجوار، فقد وصفها 44.4% بالسلبية، مقابل 15.7% فقط أعربوا عن رضاهم عنها.
وفيما يخص احترام كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة، أبدى 43.3% رضاهم، بينما رأى 37.9% أن الوضع متوسط، مقابل 18.8% أعربوا عن عدم رضاهم.
وفي ما يتعلق بالبيئة، جاءت أرقام مثيرة للتفكير. فقد اعتبر 73.5% من المشاركين أن المغاربة لا يحترمون نظافة الأماكن العامة، و69.8% غير راضين عن المحافظة على تجهيزات الفضاء العام، مثل المقاعد والإنارة ومواقف الحافلات.
أما بخصوص التدخين في الأماكن العامة، فقد أعرب 49.8% عن عدم رضاهم، بينما اعتبره 31.6% مقبولًا بشكل متوسط.
المثير في نتائج الاستطلاع أن ما يقارب ثلث المشاركين فقط (32.9%) لا يتوقعون أي تأثير إيجابي مباشر لتنظيم كأس العالم 2030 على سلوك المواطنين، في حين رأى 36.7% أن التأثير سيكون محدودًا، مقابل 22.7% يأملون في أن يشكل هذا الحدث رافعة حقيقية لتغيير السلوك المدني.
وتظل نسبة 7.7% ممن يعتقدون أنه قد يسهم في تعزيز سلوكيات سلبية مؤشرًا على تحديات أعمق في الرؤية المجتمعية.
وفي ضوء هذه المؤشرات، أوصى المركز المغربي للمواطنة بجملة من التدابير الهادفة إلى ترسيخ ثقافة مدنية تنسجم مع رهانات المرحلة المقبلة. وشملت هذه التوصيات ضرورة إدماج التربية على السلوك المدني في المقررات الدراسية والأنشطة الصفية، إلى جانب تعزيز الدور التوعوي للأئمة، بما يسهم في نشر قيم الاحترام والانضباط من داخل المجتمع ذاته.
كما دعا المركز إلى إطلاق حملات تواصلية وطنية تشاركية، تستثمر مختلف وسائط الإعلام والرموز الثقافية لنشر ثقافة السلوك الحضاري.
على المستوى العملي، شددت التوصيات على أهمية تفعيل آليات الرقابة والزجر، من خلال تسهيل مساطر التبليغ عن المخالفات، وتأسيس شرطة جماعية للقرب تتولى فرض احترام القانون داخل الفضاءات العمومية.
كما تم التأكيد على ضرورة تحسين البنية التحتية والخدمات العمومية، وتوفير فضاءات لائقة تعزز من شعور الزائر والمواطن على حد سواء بالاحترام والكرامة.
ويرى جل المشاركين في الاستطلاع أن كأس العالم 2030 لا ينبغي أن يكون فقط تظاهرة رياضية عابرة، بل فرصة استراتيجية لتحفيز تحول ثقافي عميق ومستدام، يُعيد الاعتبار لقيم المواطنة الحقة، ويعكس الوجه الحضاري للمغرب كبلد يملك من المقومات والتطلعات ما يؤهله للارتقاء بسلوك أفراده بما يتماشى مع طموحاته التنموية وصورته الدولية.