"كومادير" تكشف خفايا دعم الفراقشية وتحذر من الزج بالفلاح في التجاذبات السياسية

الكاتب : انس شريد

29 مايو 2025 - 08:30
الخط :

تصاعد الجدل بالمغرب خلال الأسابيع الماضية حول الدعم الحكومي المخصص لاستيراد المواشي واللحوم الحمراء، والذي وُصف شعبيًا بـ"دعم الفراقشية"، وسط اتهامات بتبديد المال العام وتغليب مصالح فئات على حساب أخرى، وهو ما دفع الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية (كومادير) إلى الخروج عن صمتها في ندوة صحفية نظمتها بسلا، لتقديم روايتها وتفنيد ما وصفته بـ"الصور النمطية المغلوطة".

الجدل تفجّر بعد تصريحات رسمية متضاربة حول الكلفة المالية للدعم؛ ففي الوقت الذي تحدث فيه وزير التجهيز والماء نزار بركة عن رقم ضخم ناهز 13 مليار درهم، خرج رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي لينفي الرقم جملة وتفصيلاً، مؤكداً أن المبلغ لم يتجاوز 300 مليون درهم.

هذا التضارب في التصريحات ساهم في تعميق الشكوك لدى الرأي العام، وأثار موجة انتقادات من المعارضة والمجتمع المدني، تركزت بالأساس على المطالبة بالشفافية وتحديد المستفيدين الفعليين من الدعم.

وفي المقابل ذكرت وزارة الفلاحة من خلال توضيح رسمي أن الكلفة الإجمالية للدعم لم تتجاوز 437 مليون درهم، تم توزيعها على سنتي 2023 و2024.

غير أن هذا التوضيح لم يكن كافيًا لطمأنة المنتقدين، الذين أصرّوا على أن الغموض لا يزال يلف آلية التوزيع وشروط الاستفادة، وسط تساؤلات حول ما إذا كان صغار الفلاحين قد استفادوا فعلاً من هذا الإجراء، أم أنه اقتصر على فئة بعينها تهيمن على السوق.

وفي هذا السياق، أكد رشيد بنعلي، رئيس "كومادير"، أن ما يروج حول "1300 مليار سنتيم" لا علاقة له بدعم مالي مباشر للفلاحين أو للمستوردين، بل يتعلق بإعفاءات من الرسوم الجمركية، كانت تشكل في الأصل حاجزًا كبيرًا أمام استيراد المواشي.

وأوضح في ندوة صحفية بسلا أن الدولة كانت تفرض رسوماً جمركية تصل إلى 200 في المئة على استيراد اللحوم الحية والمذبوحة، وهو ما جعل كلفة استيراد بقرة واحدة ترتفع إلى أرقام خيالية قد تصل إلى 7 ملايين سنتيم، وهو سعر اعتبره "غير منطقي ولا يقبله لا السوق ولا العقل".

وتابع بنعلي أن هذه الإعفاءات كانت ضرورية لتفادي أزمة تموين في ظل ظرفية معقدة تميزت بتوالي سنوات الجفاف وتداعيات جائحة كوفيد-19، مما أدى إلى تآكل القطيع الوطني، خاصة من الإناث.

وأشار إلى أن الفلاح المغربي، خصوصًا الصغير والمتوسط، يواجه اليوم ضغوطًا متزايدة، تشمل غلاء المدخلات، صعوبة التمويل، وتقلّب الأسواق، فضلًا عن عبء الديون البنكية، مؤكداً أن الفلاح أصبح الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج الغذائي.

رئيس الكنفدرالية شدد على أن الاستمرار في تحميل الفلاح مسؤولية ارتفاع الأسعار أو ندرة المنتجات هو مغالطة خطيرة لا تأخذ بعين الاعتبار العوامل الهيكلية التي تحكم القطاع، وعلى رأسها تعدد الوسطاء والمضاربين، وتفكك قنوات التوزيع.

وأبرز أن الحل يكمن في إعادة تنظيم السوق وتعزيز المسالك القصيرة التي تمكّن الفلاح من تسويق منتجاته بشكل مباشر، بما يضمن له هامش ربح أكبر ويحمي المستهلك من الزيادات غير المبررة.

وانتقد بنعلي استغلال ملف الدعم الفلاحي لتصفية حسابات سياسية، مؤكداً أن مثل هذه الممارسات تُضعف الثقة في السياسات العمومية وتضر بصورة القطاع الفلاحي، الذي اعتبره ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاجتماعي في المغرب.

وأضاف أن الفلاح المغربي لا يبحث عن امتيازات، بل عن شروط إنتاج لائقة وضمانات تحميه من تقلبات السوق والكوارث الطبيعية.

وفي معرض مقارنته للوضع بالدول الأوروبية، استحضر بنعلي النموذج الفرنسي حيث يستفيد نحو 390 ألف فلاح من دعم سنوي يعادل 100 مليار درهم، بينما لا يتجاوز الدعم المخصص لـ1.6 مليون فلاح مغربي 7 مليارات درهم، وهو دعم استثنائي ارتبط بأزمات ظرفية، على حد تعبيره.

وطالب رئيس الكنفدرالية بإعادة النظر في طريقة التواصل حول السياسات الفلاحية، داعيًا إلى اعتماد معطيات دقيقة ومقاربات واقعية تنصف الفلاحين، وتُراعي تعقيدات المنظومة الإنتاجية وظروف الميدان، بدل الركون إلى الأرقام المجتزأة أو التحاليل غير العلمية.

كما دعا إلى التعاطي مع الفلاحة باعتبارها قطاعًا استراتيجيًا لا يقل أهمية عن التعليم أو الصحة أو الدفاع، بدل التعامل معها بمنطق الدعم الظرفي أو الربح السريع، مؤكداً أن بناء فلاحة مستدامة يتطلب استثمارًا طويل الأمد في العنصر البشري والبنية التحتية والابتكار التقني.

وأكد في ختام حديثه أن دعم القطاع الفلاحي ليس ترفاً أو تبذيراً، بل هو رهان وجودي يرتبط بشكل مباشر بسيادة البلاد على أمنها الغذائي واستقرارها الاجتماعي، داعياً إلى تجاوز الصراعات السياسية الضيقة وتوحيد الجهود لدعم الفلاح، لأنه أساس دورة الإنتاج، وأول من يتأثر بالأزمات، وآخر من يستفيد من التعافي.

آخر الأخبار