نساء المغرب يُنتجن خارج القانون وتحت الضغط

الكاتب : عبد اللطيف حيدة

30 مايو 2025 - 05:00
الخط :

كشف التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط عن وجود آلاف الوحدات الصغيرة تنبض بالحياة في مختلف أزقة وأحياء المدن المغربية.. وحدات إنتاجية غير مهيكلة، تبتلع يوما بعد يوم شريحة واسعة من المغاربة، الذين لم يختاروا هذا المسار حبا في "الاستقلالية"، بل بدافع الضرورة وتحت وطأة واقع اقتصادي واجتماعي لا يرحم، خاصة بالنسبة للنساء، أمام فشل الحكومات المتعاقبة في تطويق الأزمات التي تعانيها الاسر في ظل استمرار استفحال البطالة والفشل في توفير فرص الشغل للمغاربة.

اختلالات تدفع نحو الظل

وتظهر معطيات المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة حديثة حول الوحدات الإنتاجية غير المنظمة (2023-2024) أن الدوافع الاقتصادية القهرية تعد المحرك الرئيسي وراء نشأة هذه الوحدات بنسبة 68,3%.
هذا المعطى يكشف عن عمق الاختلالات البنيوية التي تجعل من الاقتصاد غير المهيكل ملاذا اضطراريا لفئات واسعة من المواطنين.

ومن بين أبرز هذه الاختلالات ضعف إدماج النساء في سوق الشغل المنظم، إذ نبه التقرير إلى أنه فقط 36,1% من النساء أرباب هذه الوحدات كن يشتغلن من قبل، مقابل 82,3% من الرجال.
هذه الهوة الصارخة تفضح ضعف السياسات العمومية في خلق بيئة عمل دامجة للنساء.

التقرير عرى واقعا آخر يتعلق بغياب الحماية الاجتماعية، إذ الوحدات غير المنظمة تشتغل في فضاءات غير مراقبة، دون أي حماية أو تغطية صحية أو تقاعد، ما يجعل العاملين فيها عرضة للتقلبات والسقوط السريع في الفقر.

ولفت المصدر إلى أن أكثر من 60% من أرباب هذه الوحدات كانوا أُجراء سابقين، ما يدل على انسداد آفاق الترقية أو الاستقرار داخل القطاع المنظم أمام استفحال الغلاء وتدهور القدرة الشرائية أمام جشع المضاربين والوسطاء وغياب رقابة الدولة وحماية المستهلك المغربي.

نساء يتحملن العبء

البيانات المسجلة لدى مندوبية بنموسى كشفت أيضا أن النساء يلجن هذا القطاع بشكل أكبر بدافع الضرورة (71,9%) مقارنة بالرجال (65,1%)، وغالبا ما يكن المعيلات الرئيسيات للأسر، أو ضحايا وضعيات هشة بسبب الطلاق، أو الترمل، أو غياب فرص الشغل.

لكن المثير أكثر، هو أن 30% من النساء صرحن للمندوبية بأنهن يواجهن صعوبات في التوفيق بين العمل والحياة الأسرية، مقابل 8,1% فقط من الرجال.
هذه الفجوة تعكس ليس فقط التفاوتات الجندرية، بل أيضا غياب أي تصور مؤسساتي لتوفير شروط عمل مرنة تراعي خصوصية المرأة المغربية في الأحياء الهامشية والمناطق القروية.

غياب البدائل

المذكرة كشفت حقيقة مؤلمة وهي أنه فقط 38,3% من النساء كن يشتغلن كمستقلات قبل تأسيس وحداتهن، مقارنة بـ27,6% من الرجال. ما يعني أن نسبة كبيرة منهن وجدن أنفسهن داخل دوامة الاضطرار، دون تأهيل أو مواكبة أو حماية قانونية من قبل الدولة.

صمت السياسات

ولفت المصدر إلى أن عدد الوحدات غير المنظمة يتزايد يوما بعد يوم، بسبب الإكراهات من جهة، وبسبب فشل السياسات العمومية في إرساء منظومة حاضنة للمقاولين الصغار من جهة أخرى.
وبسبب الضرائب المرتفعة التي تفرضها الحكومات المتعاقبة من خلال قانون المالية سنة بعد أخرى، والولوج المعقد إلى التمويل، والبيروقراطية الادارية، يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للهروب نحو "الظل" بعيدا عن القانون وسلطة المراقبة الجبائية.

ولا تزال المرأة، مرة أخرى، الخاسر الأكبر. فهي التي تنتج، وتؤطر، وتعلم أبناءها، وتعتني بأسرتها، دون أن تحتسب في الناتج الداخلي الخام، ولا في إحصائيات التنمية، إلا كرقم هش في خانة الاقتصاد غير المهيكل.

آخر الأخبار