أطول كابل بحري في العالم.. هل يواجه مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا خطر التجميد؟

في ظل تسارع وتيرة التحول نحو الطاقات المتجددة عالميًا، يبرز مشروع الربط الكهربائي بين المغرب والمملكة المتحدة كأحد أبرز المشاريع الطموحة التي تجمع الابتكار التكنولوجي بالتعاون الاستراتيجي بين القارات.
غير أن هذا المشروع، الذي أثار اهتمامًا واسعًا منذ الإعلان عنه، دخل مرحلة دقيقة بعد إعلان الشركة المنفذة "إكس لينكس" تعليق إجراءات التطوير بشكل مؤقت، في انتظار موقف حاسم من الحكومة البريطانية بشأن آلية تمويله وضماناته المستقبلية.
المشروع، الذي يبلغ طوله قرابة 4000 كيلومتر، يهدف إلى نقل الكهرباء النظيفة المولدة من الطاقة الشمسية والريحية في الجنوب المغربي إلى سواحل ديفون جنوب غرب بريطانيا، عبر كابل بحري يُصنّف الأطول في العالم.
وتقدّر قدرته على تزويد نحو سبعة ملايين منزل بريطاني بالطاقة، أي ما يعادل حوالي 8% من إجمالي الطلب الكهربائي في البلاد. كما يُرتقب أن يساهم المشروع في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 10%، ما يجعله مكوّنًا أساسيًا في تحقيق أهداف المملكة المتحدة المناخية.
وبالرغم من تصنيف المشروع كـ"ذو أهمية وطنية" من قبل الحكومة البريطانية منذ عام 2023، فإن شركة "إكس لينكس" قررت، خلال الأيام الأخيرة، تعليق التقدم في إجراءات طلب أمر الموافقة على التطوير، في رسالة رسمية وجهتها إلى مفتشية التخطيط البريطانية.
وأكدت الشركة في مراسلتها أن التعليق لا يعني إلغاء المشروع أو تجميده، وإنما يهدف إلى توحيد المسار التنظيمي بانتظار رد وزارة أمن الطاقة وصافي الانبعاثات الصفرية بشأن منح "عقد الفارق"، وهو الآلية المالية التي تضمن للشركة سعراً محدداً لبيع الكهرباء المنتجة.
وشددت الشركة في بلاغها على أن هذا التوقف المؤقت يأتي في سياق استثنائي وخارج عن سيطرتها، ويهدف إلى ضمان نزاهة وفعالية إجراءات الفحص والتطوير، مع الحفاظ على علاقات التعاون المفتوحة مع الجهات التنظيمية.
وأكدت أنها ستواصل التنسيق الوثيق مع المفتشية وجميع الأطراف المعنية خلال فترة التوقف، مشيرة إلى أن استئناف المشروع مرهون بتحديث حكومي مرتقب حول العقد المالي.
وفي سياق متصل، نقلت صحيفة "التليغراف" البريطانية مؤخرا عن المدير التنفيذي للمشروع، السير ديف لويس، تحذيره من أن البيروقراطية الحكومية باتت تهدد الجدوى الاقتصادية للمشروع، وقد تدفع الشركة إلى التفكير في نقل المشروع إلى دولة أوروبية أخرى في حال استمرار التأخير.
وأفادت الصحيفة بأن الشركة تمكنت من تأمين تمويل بقيمة 8 مليارات جنيه إسترليني، وسط اهتمام واسع من المستثمرين العالميين، في حين لا تزال 17 مليار جنيه إسترليني من التمويلات الإضافية قيد البحث.
ويعتمد المشروع على تقنيات متقدمة تتيح نقل الكهرباء من طانطان جنوب المغرب إلى المملكة المتحدة خلال جزء من الثانية، باستخدام كابلات بحرية عالية الكفاءة.
وتراهن الشركة على توقيع عقد الفارق بقيمة 70 جنيهًا إسترلينيًا لكل ميغاواط/ساعة، وهو سعر تعتبره أقل من تكلفة مصادر الطاقة التقليدية كالمفاعلات النووية والكتلة الحيوية.
ويُعزى اختيار المغرب كمصدر للطاقة إلى ظروفه المناخية المثالية، حيث يوفر إشعاعًا شمسيًا قويًا نهارًا ورياحًا قوية ليلًا، ما يتيح إنتاجًا مستقرًا للطاقة على مدار 19 ساعة يوميًا، مقارنة بانخفاض الاستقرار في مزارع الرياح البحرية البريطانية. ويُنتظر أن يخلق المشروع نحو 12 ألف فرصة عمل خلال مرحلة البناء، إلى جانب فرص تشغيل دائمة في قطاع الطاقة المتجددة.
ورغم الوعود الطموحة، يواجه المشروع تحديات سياسية داخل المملكة المتحدة، من أبرزها تذبذب السياسات نتيجة تغيّر خمسة وزراء للطاقة خلال ثلاث سنوات فقط، ما أسهم في تأخير اتخاذ القرار النهائي بشأن المشروع. وهو ما أثار قلق المستثمرين بشأن وضوح الرؤية الحكومية واستقرار الدعم السياسي لمثل هذه المشاريع الإستراتيجية.
في المقابل، بدأت "إكس لينكس" باتخاذ خطوات تحضيرية بديلة، من بينها التخطيط لبناء مصنع ضخم في اسكتلندا لتصنيع الكابلات، مع دراسة إمكانيات تنفيذ المشروع في دول أوروبية أخرى في حال تعثر المسار البريطاني.
ويترقب القطاع الطاقي الدولي ما ستقرره الحكومة البريطانية في الأسابيع المقبلة بشأن هذا المشروع الذي يحمل في طياته إمكانات كبيرة لإعادة تشكيل ملامح التعاون الطاقي العابر للحدود، ويجسّد نموذجًا عمليًا لما يمكن أن تقدمه الشراكات بين الشمال والجنوب في مجال الطاقة النظيفة.
ويبقى مستقبل هذا المشروع معلقًا على موقف سياسي قد يحسم إن كان هذا الربط الكهربائي سيتحول إلى قصة نجاح عالمية أم إلى فرصة ضائعة في زمن التحولات الكبرى.