هل يفتقر المغاربة لآداب التعامل في الفضاء العام؟.. استطلاع وطني يكشف مؤشرات مقلقة

كشف المركز المغربي للمواطنة، من خلال دراسة استطلاعية حديثة، عن أرقام مثيرة للقلق بشأن سلوكيات المغاربة في الفضاء العام، خاصة فيما يتعلق باحترام قواعد اللباقة والآداب العامة، ومعاملة الجيران، والنساء، والفئات الهشة داخل المجتمع.
الدراسة، التي شملت عينة مكونة من 1173 مشاركاً، تضع علامات استفهام كبيرة حول مدى التزام المواطنين بالقيم السلوكية التي تُعد ركائز أساسية للتعايش والاحترام المتبادل.
بحسب نتائج الاستطلاع، عبّر 42.8 في المئة من المشاركين عن عدم رضاهم بخصوص احترام المغاربة لقواعد اللباقة والأدب، خصوصاً على مستوى استعمال لغة محترمة في الحياة اليومية، بينما اعتبر 44.8 في المئة أن هذا الالتزام متوسط، في حين بلغت نسبة الراضين عن هذا الجانب فقط 12.4 في المئة.
المعطيات تعكس أزمة سلوكية داخلية تنعكس على الفضاء العمومي وتؤثر على جودة العلاقات بين الأفراد.
فيما يتعلق بالعلاقات المجاورة، أظهرت النتائج أن 44.4 في المئة من المشاركين غير راضين عن تعامل المغاربة مع جيرانهم، مقابل 39.9 في المئة اعتبروا أن مستوى الاحترام متوسط، بينما لم تتجاوز نسبة الراضين 15.7 في المئة.
هذه الأرقام تسلط الضوء على فتور الروابط المجتمعية التقليدية، وتراجع قيم الجوار التي لطالما كانت ركيزة أساسية في النسيج الاجتماعي المغربي.
وفي ما يخص تعامل المواطنين مع النساء في الفضاء العام، جاءت المؤشرات أكثر حدة، حيث عبّر 52.2 في المئة من المستجوبين عن عدم رضاهم عن الطريقة التي يتم بها التعامل مع النساء، معتبرين أنها لا ترتقي إلى الحد الأدنى من الاحترام الواجب.
واعتبر 36.0 في المئة أن هذا السلوك في مستوى متوسط، بينما لم يعرب عن الرضا سوى 11.9 في المئة من المشاركين، وهو ما يؤكد استمرار الإشكالات المرتبطة بالعنف الرمزي والمعنوي ضد النساء.
احترام كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة سجل نسباً متفاوتة، حيث قال 18.8 في المئة إنهم غير راضين عن سلوك المجتمع تجاه هذه الفئات، فيما وصف 37.9 في المئة مستوى التعامل بالمعتدل، وعبّر 43.3 في المئة عن رضاهم.
ورغم أن هذه الأرقام تعكس مؤشراً إيجابياً نسبياً، إلا أنها تطرح في الوقت نفسه تحديات مرتبطة بتكريس ثقافة الاحترام والاعتراف بحقوق هذه الفئات.
من جانب آخر، أظهرت الدراسة أن الفئات الهشة والمستضعفة لا تزال تعاني من سلوكيات سلبية، إذ عبر 47.2 في المئة من المشاركين عن عدم رضاهم عن طريقة التعامل مع هذه الشريحة، مقابل 35.1 في المئة يرون أن السلوك متوسط، و17.6 في المئة فقط أبدوا رضاهم. هذا المعطى يؤشر إلى استمرار الفجوة بين الخطاب المجتمعي والممارسة اليومية، ويعكس تراجعاً في قيم التضامن والرعاية المجتمعية.
الدراسة، التي تندرج في إطار تتبع سلوكيات المواطنين في المجال العام، تقدم صورة واقعية لمستوى التفاعل السلوكي داخل المجتمع المغربي، وتدعو إلى نقاش وطني واسع حول ضرورة ترسيخ قيم المواطنة الحقيقية، وتعزيز التربية المدنية داخل المنظومة التربوية والإعلامية، بما يعيد الاعتبار لقيم الاحترام والتعايش والكرامة الإنسانية.