بنتاغون يمرر دون اعتراض صفقة "جافلين" لصالح المغرب بقيمة 260 مليون دولار

الكاتب : انس شريد

01 يونيو 2025 - 09:30
الخط :

يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تحوّلًا لافتًا في توجهه الدفاعي، في ظل تسارع وتيرة التسلّح وتنوع الشراكات الاستراتيجية، وهو ما يكرّس موقع المملكة كقوة صاعدة في شمال إفريقيا، تستثمر في الأمن القومي ضمن مقاربة شاملة تزاوج بين التحديث التكنولوجي وبناء التحالفات الدولية.

وأصدرت وزارة الدفاع الأمريكية، نهاية شهر ماي 2025، إشعارًا رسميًا يؤكد موافقتها على صفقة جديدة مع المغرب لاقتناء منظومة متطورة من صواريخ "جافلين" الموجهة المضادة للدروع، إلى جانب 200 منصة إطلاق خفيفة ومجموعة متكاملة من خدمات الدعم التقني واللوجستي، في صفقة تبلغ قيمتها الإجمالية 260 مليون دولار، أي ما يعادل حوالي 2.6 مليار درهم مغربي.

هذه الصفقة، التي كانت قد نالت الضوء الأخضر من وزارة الخارجية الأمريكية منذ مارس 2024، مرّت بمسار قانوني داخل الكونغرس دون تسجيل أي اعتراض تشريعي، ما يفتح الطريق أمام تفعيل بنودها بشكل نهائي، وهو ما يُرجّح بدء المغرب فعليًا في تسلّم بعض مكوناتها أو في الاستفادة من برامج التكوين ذات الصلة، حسب ما تشير إليه فترات التنفيذ المعتمدة عادة في مثل هذه العقود.

ووفقًا لما ورد في السجل الفيدرالي الأمريكي، فإن الصفقة تشمل 612 صاروخًا من طراز FGM-148F Javelin، بينها 12 صاروخًا لأغراض الاختبار، إضافة إلى معدات الصيانة والاختبار وأدوات المحاكاة والتدريب والذخائر التدريبية، دون الحاجة لوجود دائم للقوات الأمريكية بالمغرب.

ويُعتبر نظام "جافلين" من أبرز الأنظمة التكتيكية المحمولة المضادة للدروع، بفضل تقنيته المتقدمة المعروفة بـ"أطلق وانسحب"، والتي تتيح للجندي إطلاق الصاروخ والانسحاب فورًا دون التعرض للخطر، حيث يتكفل الصاروخ تلقائيًا بتوجيه نفسه نحو الهدف عبر باحث حراري بالأشعة تحت الحمراء.

ويتميّز هذا النظام بقدرته الفائقة على استهداف الدبابات من الأعلى، حيث تكون عادة أقل تحصينًا، كما يمتلك قدرة ثانوية لضرب التحصينات والمخابئ، ويصل مداه العملياتي إلى أكثر من 2.5 كيلومتر، ما يجعله عنصرًا حاسمًا في تسليح قوات المشاة ضمن بيئات القتال الحديثة.

وتُعد هذه الصفقة امتدادًا منطقيًا لمسار تصاعدي في التعاون الدفاعي بين الرباط وواشنطن، حيث سبق للمغرب أن أبرم صفقات ضخمة خلال السنوات الماضية مع الصناعات العسكرية الأمريكية، من بينها اقتناء 24 مروحية هجومية من طراز AH-64E Apache سنة 2019 بقيمة تفوق 1.5 مليار دولار، وتحديث 23 مقاتلة F-16 قديمة بكلفة تقارب مليار دولار، إضافة إلى صفقة اقتناء 25 طائرة F-16 Viper الأحدث من نوعها مقابل ما يقرب من 3.8 مليارات دولار.

كما شهد أبريل 2025 توقيع صفقة أخرى بارزة همّت اقتناء 600 صاروخ FIM-92K Stinger من الجيل الجديد للدفاع الجوي القصير المدى، في خطوة تروم تعزيز قدرات المملكة في التصدي للتهديدات الجوية المفاجئة.

ويكشف هذا التراكم من الصفقات العسكرية الكبرى عن توجه استراتيجي واضح يرمي إلى بناء منظومة ردع متكاملة، تواكب التحولات الأمنية الإقليمية، وتُعزّز من قدرة المغرب على الدفاع عن سيادته ووحدته الترابية في ظل تحديات أمنية متصاعدة تشمل الإرهاب، والجريمة المنظمة، والتوترات الحدودية.

كما تؤكد هذه الدينامية تحوّل المغرب إلى أحد الزبائن الكبار للصناعات العسكرية الأمريكية في القارة الإفريقية، مستفيدًا من وضعه كشريك رئيسي للولايات المتحدة من خارج منظومة حلف شمال الأطلسي، وهو تصنيف يمنحه امتيازات نوعية في مجال التعاون الدفاعي والتدريب ونقل التكنولوجيا.

وعلى الرغم من أن الصفقات المذكورة تعتمد في الغالب على الاستيراد المباشر، فإن المغرب لم يغفل البعد الاستراتيجي المرتبط بتوطين الصناعة الدفاعية، حيث كشفت تقارير رسمية عن شروع المملكة في تهيئة البنية التحتية اللازمة لتطوير قاعدة صناعية عسكرية وطنية، قادرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة وإرساء دعائم الاكتفاء الذاتي التدريجي في هذا القطاع الحساس.

ويُنتظر أن تثمر الشراكات الثنائية متعددة الجنسيات التي عقدها المغرب مع دول كالهند والبرازيل وإسرائيل، نقلًا جزئيًا أو كليًا لبعض خطوط الإنتاج، ما من شأنه أن يعزز السيادة الصناعية والأمنية على المدى المتوسط.

ويُذكر أن قانون المالية لسنة 2025 خَصص ميزانية غير مسبوقة للقطاع العسكري، بلغت حوالي 133 مليار درهم، وهي الأعلى في تاريخ القوات المسلحة الملكية، ما يعكس التزامًا رسميًا بمواصلة تحديث العتاد العسكري والرفع من جاهزية القوات، وتوفير التمويلات اللازمة لعقود الشراء والبحث والتطوير، وكذا تأهيل الموارد البشرية.

وتأتي هذه الاستثمارات الضخمة في سياق إقليمي يتسم بسباق تسلّح واضح، لا سيما في منطقة الساحل والصحراء والضفة الجنوبية للمتوسط، حيث بات الأمن عنصرًا محوريًا في السياسات العمومية لكل دولة تسعى إلى ضمان الاستقرار الداخلي وحماية المصالح الاستراتيجية.

كما تُعطي هذه الصفقة إشارات واضحة إلى أن المغرب لم يعد يكتفي بدور المتلقّي للمعدات، بل بات يسعى للعب دور نشط في صناعة القرار الدفاعي الإقليمي، من خلال امتلاك أدوات الردع الذكية، والانخراط في شراكات تكنولوجية تُراكم المعرفة وتُرسّخ السيادة.

وتُجمع أوساط التحليل العسكري أن هذا المسار يُشكل جزءًا من رؤية متكاملة تتجاوز الحدود التقليدية للردع العسكري، نحو تموقع سياسي إقليمي قائم على التوازن، الردع، والانفتاح على تحالفات متعددة الأقطاب.

آخر الأخبار