المعارضة تتهم الأغلبية بـ"الانقلاب على الأعراف الدستورية" في ملف دعم المواشي

لا تزال قضية دعم استيراد المواشي، المعروفة إعلاميًا بـ"قضية الفراقشية"، تلقي بظلالها الثقيلة على النقاش السياسي تحت قبة البرلمان، وسط احتدام غير مسبوق بين الأغلبية والمعارضة، وتبادل للاتهامات بشأن مسار تشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة كان يُفترض أن تسهم في تسليط الضوء على مصير هذا الدعم وكلفته الحقيقية.
أجواء التوتر بلغت ذروتها بعد أن وجّه الفريق الحركي بمجلس النواب اتهامات مباشرة لرئاسة لجنة القطاعات الإنتاجية بخرق الدستور، وتهميش دور المعارضة، في ما وصفه بـ"انقلاب على الأعراف البرلمانية الراسخة"، وذلك عقب إقصاء طلبه بتنظيم مهمة استطلاعية حول اختلالات تسويق اللحوم الحمراء، رغم تقدمه به في وقت سابق مقارنة بطلب فرق الأغلبية.
وبرّر الفريق الحركي احتجاجه بكون النظام الداخلي يضمن أولوية البت في الطلبات حسب تاريخ ورودها لا وفقًا للأغلبية العددية، معتبرا أن ما جرى يشكل سابقة تهدد التوازنات البرلمانية.
الاجتماع الذي عقدته اللجنة في وقت سابق، خلُص إلى اعتماد مقترح الأغلبية عبر التصويت، وهو ما مكّنها من تمرير تشكيل المهمة الاستطلاعية المتعلقة بدعم استيراد الأبقار والأغنام واللحوم، مستفيدة من تفوقها العددي.
هذا القرار أثار حفيظة المعارضة التي رأت فيه تكريسًا لمنطق الهيمنة والإقصاء، وأعلنت انسحابها من أشغال اللجنة، احتجاجًا على ما اعتبرته "خرقًا للدستور وتفريغًا للعمل الرقابي من محتواه".
وعبر رئيس الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، في ش إلى رئاسة مجلس النواب عن رفضه المطلق لهذه "المنهجية"، مشددًا على أن ما وقع يتعارض مع الفصل المتعلق بضمان حقوق المعارضة داخل المؤسسة التشريعية، داعيًا إلى تدخل فوري لتصحيح ما وصفه بـ"الانحرافات الإجرائية"، حفاظًا على هيبة البرلمان واحترامًا لمقتضيات الدستور.
في الجلسة العامة لمجلس النواب التي عُقدت يوم الإثنين، تحولت القضية إلى مواجهة علنية بين مكونات الأغلبية والمعارضة.
وتحت بند نقطة نظام، أدلى السنتيسي بمداخلة شديدة اللهجة، وصف فيها ما وقع بـ"الخرق السافر للديمقراطية"، متهمًا الأغلبية بـ"التحكم في آليات الرقابة عبر استغلال الأغلبيات العددية"، ومحذرًا من مغبة تكرار هذا السيناريو في ملفات أخرى.
في المقابل، حاولت رئيسة الجلسة زينة ادحلي امتصاص التوتر، مشيرة إلى أن الموضوع سيُحال على مكتب مجلس النواب للبت فيه، وفقًا للمساطر القانونية المعمول بها، ما أعاد بعض الأمل في إمكانية التوصل إلى حل توافقي داخل الهياكل التنظيمية للمجلس.
اللافت أن قضية "الفراقشية"، التي يفترض أن تكون محل إجماع برلماني باعتبارها تهم الأمن الغذائي والشفافية في تدبير الدعم العمومي، تحولت إلى حلبة لتصفية الحسابات السياسية، وهو ما طرح علامات استفهام عريضة حول مدى فعالية آليات الرقابة البرلمانية في ظل اختلالات ميزان القوى داخل اللجان.
وكان هذا الملف قد شهد تضارب في الأرقام الرسمية بشأن كلفة الدعم في تعميق الأزمة، ففيما صرّح وزير التجهيز والماء نزار بركة بأن كلفة دعم استيراد المواشي بلغت 13 مليار درهم، نفى رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي صحة هذا الرقم، مؤكدًا أن الكلفة لم تتجاوز 300 مليون درهم.
وتدخلت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات لاحقًا لتوضيح أن الكلفة الإجمالية بلغت 437 مليون درهم موزعة بين عامي 2023 و2024، في محاولة لتهدئة الجدل وطمأنة الرأي العام.